الحريري.. رِجلٌ في الفلاحة ورِجلٌ في البور!
عندما قرأت تصريح رئيس الحكومة المستقيل – المتريث سعد الحريري إلى مجلة “باري ماتش” الفرنسية، والذي أعطى فيه دور سلاح “حزب الله” في الداخل اللبناني صك براءة وأسبغ عليه نوعًا من الشرعية المقنّعة، بداعي ما تفرضه سياسة ربط النزاع، التي إنتهجها في السابق ويعيد إحياءها اليوم، أعتقدت للوهلة الأولى أن ثمة إلتباسًا في الترجمة فلجأت إلى النص الفرنسي، وفيه ما حرفيته:
Au Liban, le Hezbollah a un rôle politique. Il a des armes, certes, mais il ne les utilise pas sur le sol libanais. L’intérêt du Liban est de faire en sorte que ces armes ne soient pas utilisées ailleurs. De là vient le problème.
ولأن الأمر التبس علي عدت إلى نص بيان الإستقالة، حيث جاء فيه: “خلال العقود الماضية، استطاع “حزب الله”، للأسف، فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين، فضلا عن اللبنانيين، ولست بحاجة إلى سرد هذه التدخلات، وكل يوم يظهر لنا حجمها…”
وفي مقارنة سريعة بين التصريح والبيان يتبيّن أن الرئيس المتريث يحاول أن يضع رِجلًا في فلاحة الرياض، فيضرب ضربة على الحافر، ورِجلًا أخرى في بور الضاحية الجنوبية ويضرب ضربة أخرى على السندان، وذلك بعدما أصبح محرجًا تجاه الداخل وتجاه الخارج، وهو يسعى في الوقت نفسه إلى إيجاد المخرج اللأئق لعودته عن إستقالة لم تكن واردة بالنسبة إليه، أقلّه قبل 24 ساعة من إعلانها.
لم يفهم كثيرون هذا التناقض الواضح في المواقف. فهو يقول من جهة أن “حزب الله” فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه، وهذا يعني أن لسلاحه دورًا على الساحة اللبنانية لجهة فرضه أمرًا واقعًا، وهذا الكلام تقوله جهارة الاحزاب اللبنانية التي لا تتوافق سياستها مع سياسة “حزب الله”، ومن بينها “القوات اللبنانية”، التي تُتهم حاليًا بأنها وراء ما يعيشه الحريري من أزمات، وثمة محاولات لعزلها سياسيًا وإنتخابيًا، بعد تصريحي الوزير السابق وئام وهاب ونائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، ومن جهة ثانية يقول في تصريحه لـ”باري ماتش” أن الحزب لا يستخدم سلاحه على الارض اللبنانية.
وقد أثار هذا التصريح ردود فعل مختلفة، لدى الأقربين كما لدى الأبعدين، مذكّرين ببعض التواريخ التي أستعمل فيها سلاح “حزب الله” في العاصمة بيروت، سواء بالمباشر أو بالإيحاء، من دون أن يعني ذلك العيش في الماضي والمراوحة في مكان وزمان محدّدين، وعدم التطلع إلى المرحلة الراهنة بواقعية وحكمة، وهذا ما حاول الرئيس الحريري تبريره في تغريدته، الذي قال فيها “إننا الآن عندنا ربط نزاع مع “حزب الله” مثل ما عندهم ربط نزاع معنا”.
إلاّ أن هذا الكلام، كما يقرأه بعض المراقبين، يعني في السياسة أن ما جاء في بيان الإستقالة، الذي كتبه بنفسه كما قال للزميلة بولا يعقوبيان، لا يعبّر بما فيه الكفاية عن الترجمة الواقعية لربط النزاع، الذي يبقى حتى إشعار آخر مشروعًا غير مستند إلى ديمومة الإستقرار السياسي والأمني، بما في هاتين الكلمتين، ربط ونزاع، من تناقض في المعنى وفي المبنى، بإعتبار أن النزاع يحمل صفة الديمومة في حين أن كلمة ربط تحمل صفة المؤقت.
فإذا كان مثل هذا الكلام، والمقصود به الإضاءة على الواقع وتوصيفه من دون إضافات تجميلية وكما هو، يزعج بعض الذين تضيق صدور بالنقد الإيجابي والبناء، فهذا لا يعني بالتأكيد أن من يقول هذا الكلام يبني لفتنة في البلد، كما جاء في التبرير الإستلحاقي للحريري.