السعودية منزعجة من التسوية المتجدّدة في لبنان…فماذا ستفعل؟؟
مع جلسة للحكومة يوم الخميس المقبل، و«حلحلة» بالتجديد لـ «النأي بالنفس»، يكون اللبنانيون قد طووا صفحة بارزة من صفحات الازمة السياسية التي تعصف بلبنان، على وقع التداعيات والمستجدات التي تشهدها المنطقة وامتداداتها الدولية.. فاستقالة المعلنة من الرياض، مع «ضيافة» ملكية استمرت لاسبوعين حافلين بتأزمات داخلية اشعلت الساحة اللبنانية وفتحت شهية القنوات الاوروبية والدولية للتحرك الفعال..لتنتهي الازمة باطلالة «استقلالية»، بعد استقالة على هواء الرياض.. ليخرج من القصر الجمهوري بـ «تريُّث» .. عدل عنه، فيخرج الجميع منتصرا.
مع ان بعض الساحات السياسية في الداخل قد تصدع وتهشم جراء ازمة الاستقالة ـ الاقالة، بالمقابل، هناك ساحات سياسية اخرى سجلت في رصيدها انجازا فتح لها الافاق لتعديل الاحجام والاوزان، مع آفاق واسعة لاجراء تعديلات ستطرأ على خارطة تحالفات سياسية وانتخابية قد تتبدل عن تلك التي كانت قائمة قبل استقالة الرابع من تشرين الثاني، فانه لا يبدو في مشهدي الازمة والحل، ان هناك خاسرا في لبنان، على مستوى اللاعبين الكبار، في كل فصول الازمة السياسية الثلاثية الابعاد، التي خلفتها الاقالة وما تلاها من «حجز حرية رئيس حكومة لبنان» وفق ما تعامل لبنان الرسمي مع الملف الذي ترك تداعيات على الداخل اللبناني، خُطط لتكون خطيرة، لكنها، ووفق متابعين، حوصرت وخُلِطت اوراق كثيرة في الداخل، اما في الخارج، فان الرابحين كثر.. فيما يبقى الخاسر الاكبر ..السعودية التي اصطدمت اجندتها باستهداف لبنان، بجدار سمين من الغطاء الدولي الذي حظَّر المس بالاستقرار في لبنان، بالتوازي مع تحرك لبناني رسمي وصل الى المحافل الدولية وعواصم القرار في العالم. . لقد راهن كثيرون على خلاف بين «حزب الله» والقصر الجمهوري، لقناعة راسخة لدى هؤلاء، ان حزب الله لن يكون بمقدوره تقديم شيء للحريري، لان الحسابات الايرانية في المنطقة، ستمنعه من القيام بذلك، الا ان ما خرج من مكتب الرئيس عون والمستوى العالي من الارتياح التي بدت عليه، اشار الى تعاون وتنسيق وثيق كان بينهما منذ اللحظات الاولى للازمة، باتجاه ازالة العقبات التي ستعترض عودة هادئة للحريري الى رئاسة الحكومة، وهي خطوة من شأنها ان تعزز مسيرة العهد التي اُريد لها النكسات والاخفاقات.
ثمة من يعتقد ان اجوبة «حزب الله» الايجابية، على ما يمكن وصفه بـ «المطالب والشروط» التي وضعها الحريري كشرط للعدول عن الاستقالة، والتي تبلورت مع تحرك جدي للرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وصلت الى الحريري، قبل ان تبدأ المشاورات التي يُتوجها رئيس الجمهورية بجلسة للحكومة، وهي اجوبة طغت على اجواء المشاورات منذ انطلاقتها في القصر الجمهوري، في حين يدرك الحريري ان حجم الازمة السياسية التي خلفتها استقالته من «المهجر»، دفعت بالرئيس عون الى رفع السقف السياسي في التعامل مع «احتجاز» حرية رئيس حكومة لبنان في السعودية، في خطوة متقدمة لم يسبقه عليها احد من رؤساء الجمهورية، في وقت كان بعض قيادات «المستقبل» وقادة احزاب حليفة للحريري، تتحضر للتعامل مع «حقبة» ما بعد سعد الحريري التي ارادتها السعودية ان تكون بزعامة بديلة لـ «المستقبل» والشارع السني.. ومن داخل العائلة نفسه، كواقع جديد يجب التعامل معه، طالما ان «التعليمات» آتية من بلاد المملكة.
يعتقد متابعون، ان نصف المعركة السعودية ضد لبنان، احبطه غياب العدة لتنفيذ الخطة التي اُعِدَّت لاستهداف «حزب الله» في الداخل، من خلال توتير الاوضاع وخلق تشنجات مذهبية كانت كفيلة باشعال الشارع، فيما النصف الآخر حاصرته «الهبة» اللبنانية على المستويين الرسمي والسياسي، فجرى تطويق ما يمكن ان يحمله اعلان الاستقالة من الرياض، والتعامل الرسمي معها على انها غير قائمة، في حين ادى تمرد آل الحريري على السعودية التي سعت الى «مبايعة» الشقيق الاكبر للرئيس الحريري بهاء الدين، فما قامت به النائبة بهية الحريري ونجلاها ( نادر مسؤول مكتب الرئيس الحريري) واحمد (امين عام تيار المستقبل) والسيدة نازك الحريري، الذين رفضوا الامتثال لـ «الاستدعاءات الملكية»، كان بمثابة الضربة القاصمة التي شكلت «تمردا» على السعودية بملكها واميرها، وتزامن التمرد الحريري بوقفة مباشرة غير متوقعة من الوزير «المستقبلي» نهاد المشنوق المُصنَّف انه من الحلقة اللصيقة بالحريري، حين حمل على النوايا السعودية بالاطاحة بالحريري، بالقول من دار الفتوى، «ان اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، وأن السياسة تحكمها الانتخابات لا المبايعات»، وهو موقف ارشد المصابين بالارباك داخل «تيار المستقبل»، الى الوجهة التي ستسلكها الامور، لكنه بقي «يتيما»، مع غياب المواقف عن حلفاء «التيار» المتهمين اليوم بـ «التآمر» لازاحة الحريري عن زعامة الشارع السني، وقد سعى المشنوق وصف ما جرى بـ «الندوب» التي اصابت علاقة «المستقبل» مع «القوات اللبنانية» التي تأخذ منحى يكاد يقترب الى القطيعة السياسية، وفق ما ينقل مطلعون عن اوساط في «تيار المستقبل»، علما ان اي لقاء لم يعقد بعد بين الرئيس الحريري والدكتور سمير جعجع.
سيتضح في المقبل من الايام، بحسب ما ينتظر المتابعون، ما اذا كانت السعودية منزعجة من التسوية المتجددة في لبنان، حيث سيُرسم سلوكها مع العناصر الدولية الضاغطة التي حضرت في الازمة .. وفي حلها، وقد ترى السعودية ان الحريري الذي غادر المملكة مستقيلا..ليصل الى بيروت عبر باريس «متريِّثا»، لم يتريَّث في تلقف «الريق الحلو» ..الاقرب الى الاحتضان السياسي، الذي وجده عند الرئيسين عون وبري .. كذلك عند «حزب الله»، تكامل ذلك مع رعاية استثنائية من الرئيس الفرنسي، ليندفع نحو ايجابية لا ترغبها السعودية، فهل تكون باريس، في حسابات الحريري الجديدة، اقرب من الرياض .. الى «بيت الوسط» ؟، وهل يجرؤ الحريري على سلوك طريق الطلاق مع المملكة؟، بعد ان يكون قد نظَّف ساحته الداخلية.. من ما يصفهم بعض «المستقبليين» بـ «المتآمرين» على زعامته.
الديار