في لبنان.. المراهقون هم الأكثر إكتئاباً!
بعدما كانت أمراض الجهاز التنفّسي أكبر مشكلة صحّية في العالم، حاز مرض الاكتئاب على المرتبة الأولى ليصبح السبب الرئيس لانتحار 800 ألف شخص بين عمر الـ15 والـ29 عاماً، الأمر الذي يحتّم التفكير في طرق جدّية لعلاجه. فماذا عن البرنامج الذي يحضّره لبنان؟
يعاني عدد كبير من الأشخاص حول العالم من الاكتئاب، الذي يُعتبر السبب الرئيسي لعجز البشر واعتلال صحتهم، اضافةً الى أنّ 50 في المئة من المصابين بهذا الاضطراب لا يتلقون العلاج المناسب حتى في الدول المتقدِّمة، وبالتالي فإنّ الخسائر الناجمة من الاكتئاب كبيرة جدّاً.
وهذا لا يعني التركيز على الجانب المالي، أي الاكتفاء بعلاج الناس حتى يصبحوا قادرين على العمل، لأنّ ذلك سيؤدي إلى مشكلات نفسيّة أكبر لاحقاً.
يختلف الاكتئاب عن التقلّبات المزاجية العادية والانفعالات التي لا تدوم طويلاً، إذ إنه يدوم لفترات أطول وبكثافة معتدلة أو شديدة.
السلوكيات
وفي هذا السياق، نشرت وزارة الصحة العامة اللبنانية بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية، تقريراً حول الاكتئاب في العالم بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، أكدّت فيه أنّه اضطراب مزاج يؤثر في الأفكار والمشاعر والسلوكيات، كما أنه يسبب وبشكل واضح المعاناة للشخص المصاب. ويظهر ذلك، على عمله، أو في مدرسته، أو على استقرار أسرته، اضافةً الى شعوره بالحزن، وفقدان الاهتمام بالنشاطات التي يتمتع بها الناس، وعدم القدرة على القيام بالأنشطة اليومية.
عوارض تفوق الـ14 يوماً
تظهر الكثير من العوارض على الأشخاص المصابين بالاكتئاب لمدة تتخطّى الـ14 يوماً، وقد تتمثّل بفقدان الطاقة، القلق، إنخفاض التركيز، الأرق، مشاعر عدم القيمة، الذنب، أو اليأس، تغيير الشهية، النوم أكثر أو أقل. وفي أسوأ الأحوال قد يسبّب الانتحار.
إرتباطه بالسكري
يرتبط الاكتئاب وبشدة، بالأمراض غير المعدية الأخرى، وبالتالي ينتشر 2 الى 4 مرات أكثر بين المرضى الذين يعانون من أمراض مثل السكري والسكتة الدماغية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، مقارنةً بالناس المعافين من هذه الأمراض الجسدية. أمّا العكس فهو صحيح، إذ إنّ الأشخاص الذين ليست لديهم هذه الأمراض، هم ايضاً معرّضون، لأنّ الاكتئاب يرتبط بأمراض أخرى أيضاً.
لبنان
يوجد في جميع أنحاء العالم، أكثر من 300 مليون شخص مصابين بالاكتئاب، وإرتفع العدد 18 في المئة بين عامي 2005 و2015، لذلك يُعتبر هذا المرض السبب الرئيسي للإعاقة في جميع أنحاء العالم ومساهماً رئيسياً في العبء العالمي الإجمالي للمرض. أمّا في لبنان، فتُظهِر أحدث المؤشّرات التي تعود إلى عام 2008، أنّ الاكتئاب هو أكثر اضطرابات الصحة العقلية انتشاراً. ووفقاً للدراسة الاستقصائية العالمية للصحة المدرسية، فإنه من أكثر مشاكل الصحة العقلية شيوعاً عند المراهقين بين عامَي 2005 و2011.
وفي هذا الاطار، أظهرت البيانات الواردة التي أُجريت على 696 حالة تمّ الإبلاغ عنها حتّى الآن في السجلّ الوطني للصحة العقلية، أنّ الاكتئاب هو التشخيص الرئيسي الثاني للاستشارات النفسية (26في المئة) بعد اضطراب القلق (29 في المئة)، كما سَجّلت حالات الانتحار للمصابين بهذا المرض المعدل الأعلى مقارنةً بالتشخيصات الصحية العقلية الأخرى.
الأكثر عرضة
تُعتبر النساء (65 في المئة من الحالات المشخَّصة) الأكثر عرضةً للإصابة مقارنةً بالرجال (35 في المئة من الحالات المشخّصة)، خصوصاً أنّهن تسعين للحصول على الرعاية الصحية مرتين أكثر من الذكور المصابين.
ورغم وجود علاجات معروفة وفعالة، فإنّ أقل من نصف المتضررين يتلقّون مثل هذه العلاجات في لبنان، مع تأخير حوالى 6 سنوات في تلقي العلاج. وتشمل العوائق التي تحول دون تقديم الرعاية الفعّالة نقص المصادر، ونقص مقدِّمي الرعاية الصحية المتخصّصين، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات العقلية.
برنامج الصحّة النفسية
ومن المهم أن يعلم الجميع، أنّ الاكتئاب هو أحد الأولويات التي يغطيها برنامج الصحة النفسية (mhGAP) التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يهدف إلى زيادة الخدمات المقدَّمة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية، من خلال الرعاية التي يقدّمها العاملون الصحيون الذين ليسوا متخصّصين في هذا المجال.
وإذا حظي هذا البرنامج (mhGAP) بالرعاية المناسبة، مع تأمين المساعدة النفسية الاجتماعية، والأدوية، فذلك سيساعد الكثير من الأشخاص الذين يعانون من إضطرابات نفسية بما في ذلك الاكتئاب، من التمتع بحياة طبيعية.
أمّا في لبنان، فتقوم وزارة الصحة العامة بدعم من منظمة الصحة العالمية بتعميم برنامج الصحة النفسية كجزء من الاستراتيجية الوطنية للصحة العقلية (2015-2020).