أسرع ، اِدهس واقتُل…بعشرة ملايين ليرة لبنانية!
منذ 4 سنوات ماتت وداد هاشم في منطقة زقاق البلاط تاركة خلفها ولدين. اجتاحت سيارة «مسرعة» الرصيف في شهر نيسان ودهستها ففارقت الحياة. رواية المدعّى عليها، كما جاء في الحكم البدائي الصادر العام الماضي، تنفي تقرير الخبير الذي عاين الحادثة، والذي اعتبر ان «سرعة المدعى عليها وفقدانها السيطرة على مركبتها كانا السبب في حصول الحادث»، وتدّعي انها كانت «تقود السيارة بسرعة لا تتجاوز الخمسين كيلومترا في الساعة».
أمّا الجهة المدعية فقد طالبت «بإدانة المدعى عليها وتغريمها مبلغ مليون و200 دولار كون المتوفاة كانت في مقتبل العمر وهي دكتورة في الصيدلة وأم لولدين».
أكّد قرار المحكمة برئاسة القاضي ضياء مشيمش، انه «من غير المعقول أن تصعد السيارة الى الرصيف بمجرد إستعمال المكابح وأن تفقد المدعى عليها السيطرة على السيارة لو كانت تقودها بسرعة عادية وبمعدل 50 كيلومتراً بالساعة، ولا يبرر حصول ذلك مرور سيارة أمامها وانحرافها يميناً لسلوك مخرج طلعة زقاق البلاط، الأمر الذي يؤكد أن المدعى عليها كانت تقود بطريقة مسرعة (…)». يستنتج القرار إذاً أنّ «خطأ المدعى عليها كان السبب المباشر لحصول الصدم والتسبب بالوفاة»، وبالتالي يدين المدعى عليها بأحكام المادة 564 من قانون العقوبات التي تنص على أنّ «من تسبب بموت أحد عن اهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر الى 3 سنوات».
إستند الحكم الى المادة السابقة، لكنه أتى تخفيفياً بشكل مفاجئ، إذ حكم القاضي بحبس المدعى عليها مدة ستة أشهر والإكتفاء تخفيفاً بمدة توقيفها التي امتدت من 8 نيسان 2014 إلى 15 نيسان 2014، أي أسبوعا واحداً، وتغريمها مبلغ 150 مليون ليرة بالتكافل والتضامن مع شركة التأمين. إستؤنف الحكم وانتقلت الدعوى الى محكمة استئناف الجنح في بيروت برئاسة القاضي طنوس مشلب، الذي حدد غداً (الثلاثاء) موعداً لإصدار حكم الإستئناف.
من جانب الجهة المدعية، فان القضية المثارة لا تتصل بمنطق «الانتقام»، الذي يتهم به عادة اهل الضحايا. بل في كون تجنب العقوبات الواجبة، سوف لا يمنع تكرار الامر. ولن يشكل رادعا حقيقيا، وخصوصا، وان ما حصل لم يكن ناتجا الا عن «استخفاف» قام به شخص، نتيجة شعوره بان القانون ليس قاسيا ازاء مخالفات من هذا النوع. وان هذه الصورة السلبية سوف تتكرس. وفي هذه القضية بالتحديد، سوف تتولى شركة التأمين دفع التعويض الكبير. اما المدعى عليها، فقد كانت عقوبتها عبارة عن اسبوع في نظارة توقيف، وعشرة ملايين ليرة لبنانية، وابداء الندم على ما حصل!
ليست وداد أولى الضحايا، وهي ليست آخرهم، إذ انّ «بيروت مدينة غير امنة للمشاة بنسبة قتلى تتجاوز 62%»، وفق إحصاء سابق لخبير السلامة المرورية في مشروع «إحلال الأمن والاستقرار» كامل إبراهيم. فوفق دراسة لابراهيم عن واقع حوادث المرور في مدينة بيروت وقضاء المتن عبر تحليل قواعد بيانات حوادث المرور عامي 2013 و2014، يتبيّن أن معظم ضحايا الحوادث في بيروت والمتن هم من مستخدمي الطريق الأكثر ضعفاً، أي المشاة ومستخدمو الدراجات النارية، بحيث بلغت النسبة 77% في المتن و85% في بيروت.
الأمين العام لجمعية «Road For Life» روني ألفا، يستغرب الإكتفاء بمدة التوقيف من دون أن يجزم بصحة الحكم من عدمه، معتبراً أنّ القضية بحاجة إلى تعمّق أكثر واطلاع أكبر. فيما فسرت مصادر قانونية حجم الحكم جراء التسبب بالوفاة من دون قصد بأنه جنحة لا جناية وبالتالي يعود للقاضي تحديد مدة التوقيف والتعويض.
يلفت ألفا الى أنّ «قانون السير الجديد أدى الى نقلة نوعية من حيث العقوبات المفروضة على المخالفين والمتسببين بجرح وقتل المشاة إن من ناحية التعويضات أو المسؤولية الجزائية». ويُلحظ وفق بيان المديرية العامة لقوى الامن الداخلي منذ يومين «تراجع ملحوظ وهام في نسبة الحوادث المرورية، وبالتالي انخفاض عدد القتلى والجرحى الناجم عنها» بعد مرور عام على بدء تطبيق قانون السير الجديد. فقد تراجع عدد قتلى حوادث السير من 612 قتيلا عام 2014 الى 491 قتيلا عام 2015، كذلك انخفض عدد الجرحى من 5929 جريحا عام 2014 الى 3792 عام 2015.