“اشترِ شقة والثانية ببلاش”.. تراجع سعر الشقق الى 50% حقيقة.. ولكن؟!
“من يمتلك عقاراً في لبنان يمتلك كنزاً”.. تتردد هذه المقولة بين الطامحين الى سقف بيت يستظلون به ويتكئون على جنباته بعد عناء يوم عمل طويل، وتحديداً فئة الشباب، من دون الدخول في دوامة القروض السكنية التي تقيدهم بأسلاك حديدية من الرهونات والفوائد والتأمينات وخدمة الفوائد، التي قد لا تُنتزع من أياديهم الا بعد عمر طويل.. طويل جداً (20-30 عاماً). منذ فترة بدأ الخبراء الاقتصاديون بالحديث عن جمود يضرب سوق العقارات في لبنان، وخصوصاً الشقق السكنية، ووصلت توقعات البعض بأن تصل سعر الشقة السكنية الى 30 ألف دولار، كما كانت سابقاً منذ أكثر من 10 سنوات؟!
ما يتردد حقيقة أم حلم؟
كان لافتاً نشر موقع “Real Estate in Lebanon” المتخصص في شؤون العقارات “لزيادة الشفافية في السوق العقاري” بحسب توصيفه، دليلاً يؤكد انخفاض أسعار الشقق الصغيرة بنسبة تقارب الـ40%، وهو عبارة عن إعلان لبناء في الاشرفية بسعريْن مختلفين مع اختلاف التوقيت، حيث نشر الإعلان الثاني بعد عام من الأول لكن بأسعار جديدة، واعدين بأن تنخفض مستقبلاً الى نسبة تزيد عن 70%، فما هي الخلفيات أو الأسباب المالية الدقيقة وراء هذه التوقعات؟
في حديث خاص مع أحد المسؤولين عن الموقع، لفت الى أن “الطلب على سوق العقارات يتكون عادة من 3 مصادر: مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي، المغتربون اللبنانيون (خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا) بالاضافة الى الطلب المحلي، علماً أن المصدر الاخير هو الأقوى إلا أنه ضعيف من الناحية المالية. أما بالنسبة الى المصدر الاول والثاني، فقد انخفض الطلب بشكل كبير بسبب انهيار أسعار النفط، والمشاكل السياسية التي يواجهونها مع لبنان وتقليص إعطاء التأشيرات إلى اللبنانيين في الخليج، خاصة من قبل الامارات العربية المتحدة وقطر.
وبالعودة الى الطلب المحلي، فـ”هو مدعوم بقروض إسکان (دون دفعات مسبقة)، ما يعني أنه عندما تنخفض الأسعار، سيكون لدى المالك شقة تبلغ نصف قیمة القرض، وقد يتوقف حينها عن تسديد الدفعات”.
كيف يخدع صاحب العقار الشاري؟
بحسب المصدر، إن كنت خبيراً بوضع السوق العقاري وتعرف كيف تفاوض، ستدفع سعر الشقة بنسبة أقل بكثير (30-40%) من أولئك الذين لا يعرفون. أما إذا كنت بحاجة الى قرض سكني من دون دفع قسط أولي، فسيقوم البائع بالتوقيع على رسالة “غير قانونية” مدعياً أن الشاري دفع 25% من سعر الشقة، وحينها سوف يكون السعر الذي تدفعه أغلى بكثير لنفس الشقة.
كيف نحمي المستهلك؟ “الشفافية بالأسعار عبر نشر جميع أسعار المبيعات”، يجيب المصدر، متسائلاً: “هل تعلم أن متوسط سعر الشقة في أميركا يبلغ 230 الف دولار، بينما متوسط الدخل الفردي السنوي للمواطن الأميركي هو 56 الف دولار؟ في المقابل، هل تعلم أن متوسط سعر الشقة في بيروت يبلغ 588 الف دولار بينما متوسط الدخل الفردي السنوي هو 7 الاف دولار فقط؟”.
“اشترِ شقة والثانية ببلاش”
وفي حديث مع الخبير الاستراتيجي في اسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد حكيّم عن التأثير المباشر والعلمي لهذا الانخفاض في سوق العقارات، بناءً على دراسة أعدها في هذا الخصوص من عام 2001 الى 2016، قال إن الدراسة كشفت ارتباطاً مباشراً بين أسعار النفط وتحويلات المغتربين، وبين أسعار الشقق، بشرط الانتظار 20 شهراً! فكلما انخفض معدل سعر النفط الى 40$ تنخفض التحويلات ومعها الطلب على العقارات بعد 20 شهراً، وفي حال ارتفع المعدل الى 80$ فإن التوقعات بزيادة الاسعار ترتفع. وبالأرقام، تشير الدراسة الى انه منذ سنة 2014 حتى تشرين الاول 2016، بلغ سعر النفط بمعدل أقل من 60$، ما يعني أن الأسعار انهارت الى 25-30%، كما من المتوقع ان تنخفض الى النصف على قاعدة “اشترِ بسعر الشقة شقتين”، كي تصل الاسواق الى حالة استقرار، خاصة ان الإعمار ما زال جارٍ، وبالتالي الشقق غير المباعة تتكاثر، علماً أن سعر النفط حالياً يبلغ 50$.
إذاً، لماذا لم تنخفض اسعار الشقق؟ يقول حكيّم: “بعض اصحاب العقارات لا يريدون الاعتراف بالحقيقة، بل يعتبرونها “تنزيلات” على شكل حسومات ويبيعون الشقة حسب متطلباتهم المالية، قائلاً: “الشقق ليست ثياباً”، كما أن هناك اتفاقاً بين المطورين العقاريين ألا يعلنوا عن الانخفاض كي يحافظوا على اسعارهم”، إلا أن من المهم الإلتفات الى نقطة اساسية، وهي أن أفضل عرض للشقة هو ليس العرض الأغلى بل الافضل، والمطلوب من المشتري السعي لإيجاد أفضل عرض له بعد الانخفاض الذي بدأ يظهر عملياً في الاسعار.
“وكما بدأت الاسعار في العام (2006) بالارتفاع من بيروت ثم الى المناطق الأخرى، فإن الانخفاض بدأ أيضاً من بيروت وخاصة في الحازمية والاشرفية وفردان، ومن المتوقع أن يمتد الى المناطق الاخر”، بحسب حكيّم، الذي أضاف كاشفاً أن “أصحاب العقارات قاموا بتعمير البناء بسعر الحديد “1200$ الطن”، لكن في السنتين الأخيرتين، قام البعض بالتعمير بـ350$ الطن”. هل تعتبر هذه مخالفة؟ يجيب: “لا لأنه اختصاص حرّ، لكن الاخير قد يكون لديه هامشاً لتخفيض ارباحه وبالتالي اسعاره، خاصة انه لا طلب على العقارات من الخليج”.
هكذا، وفي ظل عدم الشفافية في أسعار الشقق السكنية، يبيع المطور العقاري في البناء الواحد كل شقة بسعر مختلف، فأي خطة يمكن أن تحقق التوازن في مبيعات الشقق؟ “في ظل التهرب الضريبي فمن الصعب تحقيق التوازن، لكن باستطاعتنا ان نتقلد بالبلدان المتطورة، التي تقوم خلال عملية البيع والشراء بكشف الأسعار بشكل علني، كما أن مؤشر العقارت هو الذي يحدد السعر حسب المعايير العلمية”، يجيب حكيّم.
وختم حكيّم: “حتى الميزانية في لبنان تنقسم الى 4 نسخات: واحدة للدولة وأخرى للبنك، واثنان لجهات أخرى”