الأزمة المالية تربك المشهد الإعلامي
بعد طغيان الكابوس «الداعشي» على الإعلام اللبناني العام الماضي، والخفة والاستغلال في التعاطي معه، أرسى عام 2015 مشهدية مختلفة هذه المرة تمظهرت بقوة في الأزمات المالية التي ضربت الإعلام. هكذا، تأخّرت قناة «المستقبل» وما زالت في دفع رواتب موظفيها، بينما سرّحت صحيفة «النهار» عدداً من موظفيها القدامى وقلّصت صفحاتها، واستغنت mtv وlbci عن أسماء أسهمت في تأسيس شاشتها وسرّحت «الجديد» عدداً من الموظفين وأقفلت بعض الأقسام الداخلية وإذاعة «الجديد أف .أم»… والمعلوم أنّ من أسباب هذه الأزمة هو سوق الإعلانات الذي تتقاتل القنوات في ما بينها عليه.
في هذا الخصوص، برزت هذا العام خطوة لافتة تمثلت في انسحاب 6 قنوات من شركة «إيبسوس ستات» على خلفية اتهامها بـ «التزوير» وعدم الشفافية. وكان غياب التدقيق في الأرقام والدراسات الإحصائية السبب الأبرز في تفاقم هذه الأزمة بين القنوات والشركة الفرنسية. بعد هذا الانسحاب وتبادل الاتهامات والدعاوى بين الطرفين، خرجت شركتا تدقيق عالميتان لتطوبا «إيبسوس» كشركة تتمتع «بالصدقية» بعد إجراء تدقيق بين الأخيرة وشركة Gfk الألمانية.
وسط هذه الأزمات المستفحلة، زاد الطين بلّة تولي كل من عوني الكعكي «نقابة الصحافة» في انتخابات لقيت تحشيداً سياسياً غير مسبوق من تيار «المستقبل»، وامتزجت بالكثير من الشوائب، ليتولى رئيس تحرير «الشرق» دفة النقابة، ويحظى بعده بأشهر الياس عون بولاية ثانية على «نقابة المحررين» ضمن انتخابات هزلية أيضاً أُجريت قبل موعدها القانوني. مشهدية سوداوية قاتمة تنهي أي أمل بإصلاح وتقدم في الجسم الإعلامي اللبناني.
معارك الإعلام المحلي لم تقف عند مفاصل داخلية قاسية، بل امتدت إلى الخارج. انتهت معركة «الجديد» مع المحكمة الدولية بتبرئة نائبة رئيس مجلس إدارتها كرمى خياط في ما خص «تحقير المحكمة» واعتبارها «مذنبة» في قضية عرقلة «سير العدالة». وقبل ذلك، شنّ السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري هجوماً على صحيفة «الأخبار» مهدداً بـ «وقفها عند حدها». هذا التهديد المباشر تزامن مع العدوان على اليمن ومحاولة السعودية كمّ الأفواه المناهضة لسياستها. السعودية أيضاً شنّت حملة أخرى من بوابة «تلفزيون لبنان» لأنّه أعاد بث مقابلة السيد حسن نصر الله مع «الإخبارية السورية». حملة شعواء شنّت وقتها وتعاملت المملكة مع لبنان وإعلامه على أنهما يقعان ضمن مقاطعة من مقاطعاتها، وعليهما تقديم فروض الطاعة لها. وضمن سياسة كمّ الأفواه أيضاً، أنزلت المملكة «المنار» عن قمر «عربسات» في خطوة مفاجئة وغير قانونية ولا شرعية، بعد خروج قمرها الصناعي من الأراضي اللبنانية تجاه الأردن في تكرار للسيناريو عينه الذي حدث مع قناة «الميادين».
ووسط محاولات فرض الوصاية السعودية على لبنان، خرجت حركة شبابية اشتهرت لاحقاً بـ «الحراك الشعبي» احتجاجاً على أزمة النفايات. هذا الحراك غيّر كثيراً المشهد الإعلامي اللبناني، وخلط أوراق الاصطفافات المعتادة في ما بينها. هكذا، كنّا أمام عملية إعلامية معقدة تخبطت القنوات في التعامل معها بين تبنيها أم أبلستها. وكما جرت العادة، قطفت «الجديد» وlbci ثمرة الحراك، وأنشئ استديو لمواكبة «الثورة» في الـ «داون تاون»، وفتح الهواء لأصوات شبابية لم تعتد عليها الشاشات قبلاً. ضمن هذه المشهدية التي لم تدم طويلاً، تظّهرت بعض الأجندات، بخاصة في محاولة إقحام سلاح «حزب الله» في الحراك كما فعلت lbci. أيضاً، أظهر هذا الحراك بعداً طبقياً، إذ لم يستح بعض الإعلاميين من إظهار هذا النفس، خصوصاً بعد نزول النشطاء الى «زيتونة باي» للفت النظر الى قضية الأملاك البحرية. أمر لم ير فيه بعض هؤلاء سوى مشهد مقزز وغير «حضاري». وبين التعاطي الإعلامي المربك مع الحراك، وازدواجية بعض الإعلاميين ومحاولتهم فرز اللبنانيين على أساس مذهبي وطبقي، استدعت النيابة العامة التمييزية الزميل محمد زبيب على خلفية نشره على فايسبوك صورة شيك بقيمة مليار و436 مليون و400 الف ليرة صادر من بنك «المدينة» عام 2002 الى (وزير الداخلية والبلديات) نهاد المشنوق.
مارست السعودية كل الوسائل لتكميم الأفواه
من ناحية أخرى، ما زال ملف النزوح السوري في لبنان مادة جدلية في الأوساط الإعلامية. لم يتعامل بعض هذا الإعلام مع هذه القضية على أساس علمي وإنساني بل ذهب الى التسييس وإفراغ عنصريته وبث الرعب والخوف لدى اللبنانيين. بدأ العام الحالي بمقال عنصري في صحيفة «النهار» بعنوان ««الحمرا ما عادت لبنانية… التوسّع السوري غيّر هويّتها». تبعته حلقة لبرنامج «تحقيق» على mtv حاولت الدخول من هذا النزوح لبث الذعر والخوف عبر التحذير من زيادة الولادات لدى هؤلاء النازحين. وبعده، حولت lbci وتحديداً برنامج «نهاركم سعيد» هذا الملف الى أداة لبث الكراهية والتفرقة بين السوريين واللبنانيين. ومقابل هذا الأداء الإعلامي غير المهني، برز جو معلوف مع انطلاق موسمه الجديد من برنامج «حكي جالس» على lbci كاسراً كل الأداء السيئ السابق له، ومبيناً من خلال حلقات عدّة جدّية عالية في معالجة ملفات شتى.
لعلّ الحدث الأبرز هذا العام تمثل في إطلاق العسكريين اللبنانيين من أيدي جبهة «النصرة». هذا الحدث أظهر بدوره هشاشة في التعاطي الإعلامي اللبناني، ووقوعه في فخ الإرهابيين عبر تبييض صورتهم. وكانت mtv السباقة في ذلك بما أنّها حصلت على الحق المحلي الحصري بنقل وقائع هذه الصفقة على الهواء مباشرة. وبعيداً عن هذه الصورة القاتمة، أخرج زافين قيومجيان كنزاً الى عالم الصحافة بتوثيقه لأبرز 100 لحظة تلفزيونية (1959 ــ 1989). من خلال كتابه «أسعد الله مساءكم… مئة لحظة صنعت التلفزيون» (هاشيت – أنطوان).
وأبى 2015 أن يقفل إلا على خبر استشهاد المناضل سمير القنطار في عملية اغتيال صهيوني له في سوريا. خبر تعاملت معه بعض الشاشات اللبنانية بهامشية وعدم اكتراث. وكما فقد لبنان عميد الأسرى المحررين، اقفل أيضاً على غياب كل من الصحافيين عرفات حجازي وسليمان تقيّ الدين.