التوقيت الصيفي … كذبة أوروبية صدّقها اللبنانيون
أيام ويبدأ لبنان العمل بالتوقيت الصيفي، هذه العادة السنوية التي تنتظم الدولة اللبنانية على تنفيذها في منتصف ليل كل آخر يوم سبت من شهر آذار سنويا، عبر تقديم التوقيت المحلي ساعة واحدة… ولكن هل تساءلتَ يوماً ايها اللبناني بينك وبين نفسك عن مسوغات هذه العادة السنوية، والجدوى الايجابية التي يقدمها لنا اللعب بعقارب الساعة الى الامام سوى لخبطةٍ في ساعتنا البيولوجية، تنجم عنها اضرابات عصبية وهضمية لعدة ايام… ولماذا يحصل في لبنان أن تنتظم دولتنا الكريمة على غير عادتها على تطبيق تقليدٍ أوروبي استفاق أصحابه على ان اضراره أكثر من منافعه، بينما نستمر نحن به بحجة توفير طاقة غير موجودة في الأساس.
في البداية لا بد من التنويه إلى أن التوقيت الشتوي هو التوقيت الطبيعي للكرة الأرضية، أما التوقيت الصيفي فهو فكرة تم طرحها أول مرة في القرن الثامن عشر، بهدف توفير الطاقة إلى أقصى درجة ممكنة، وذلك باستغلال ساعات النهار وضوء الشمس، ولجأت اوروبا للعمل بهذا التوقيت لمواجهة وقف ضخ النفط العربي إليها العام 1973، بعد “الصدمة البترولية” عندما قطع العرب البترول عن أوروبا. ومن يومها اصبح هذا التوقيت عرفاً اقتصاديا سنويا تطبقه حسب الاحصائيات الأخيرة، 55 دولة في أوروبا و 9 دول في الشرق الأوسط و 11 في اميركا الشمالية و5 دول في اميركا الجنوبية و 4 دول في اوقيانوسيا و 3 دول في افريقيا، ولا يوجد من الدول الصناعية الكبرى إلا اليابان لا تتبع هذا النظام، أما الصين فقد أوقفته بعد اعتماده من العام 1986 الى العام1991، وتجدر الاشارة الى ان السعودية من الدول العربية التي لا تتبع هذا النظام.
تقليد أعمى
ولأستاذ الصحافة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية أحمد زين الدين رأيه الخاص بهذا التوقيت، ودعاه الانزعاج السنوي من ذلك إلى اطلاق حملة لوقف العمل بالتوقيت الصيفي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي بمثابة “لفت نظر” على اعتبار أن هذا التدبير الذي ابتكرته الدول الأوروبية لمواجهة وقف ضخ النفط العربي اليها العام 1973، “لا ينفع في بلادنا في شيء، بالنظر الى وضع الطاقة عندنا وطريقة تعاطينا معها، بل هو يضر لأنه يخالف الساعة البيولوجية للإنسان”.
ويؤكد زين الدين بأن الهدف من طرح هذه الفكرة هو خلق نقاش حولها كي لا تكون مسألة آلية تعود لمجلس الوزراء من دون أن نعلم ما مبررات العمل بهذا التوقيت على الصعيد اللبناني، ولا ينفي زين الدين ايمانه بأن الغرب هو مصدر ثقافة يجب ان نتأثر بها ولكن لا يجب ان يكون تقليدنا لعاداته تقليداً اعمى لدرجة ان نقوم بتدابير لا نعلم جدواها علينا، لا سيما أن ظروفنا تختلف عن ظروفهم. فـ”إذا كانت أوروبا لها حساباتها الدقيقة التي توجب ابقاء العمل بالتوقيت الصيفي الذي يشهد سنوياً جدلا في الدول الاوروبية التي تعمل به، فأين هي الدراسات التي قامت بها الدولة اللبنانية على هذا الصعيد، وما الاسباب الموجبة التي يستند اليها المعنيون للابقاء على عادة سنوية مضارها اكثر من منافعها”.
الساعة البيولوجية
ولمعرفة تأثير تقديم الوقت ساعة واحدة على صحة الانسان، كان لـ”البلد” حديث مع طبيب الصحة العامة مصطفى مرعي الذي يؤكد بدوره على ان كل انسان يملك ساعة بيولوجية وهي عبارة عن توقيت محدد لكل أعمال أعضاء الجسم لكل الوظائف التي يقوم بها الانسان. فـ”على سبيل المثال اذا كان هناك شخص ينام في الليل ويعمل في النهار وآخر ينام في النهار ويعمل في الليل تكون الساعة البيولوجية مختلفة لدى الشخصين، لأن كل وظائف جسم الأول تعمل في النهار بينما الثاني تعمل وظائف جسمه جميعها ليلاً، إذ أن الاعمال والوظائف تتنظم حسب توقيت نوم الانسان واستيقاظه وطعامه، وتتأقلم الساعة البيولوجية في جسده على أساس تلك المواعيد اليومية التي يؤدي فيها الانسان وظائفه”.
ويشير مرعي الى أن تعديل الوقت الزمني حتما يقابله تعديل في ساعتنا البيولوجية، وبالتالي سيتأثر الانسان بسبب ذلك، ويطاول التأثير كل اعضاء الجسم لان الساعة البيولوجية تضبط كل الوظائف والاعمال التي تقوم بها اعضاء الجسم، ويتفاوت التأثير من شخص لآخر، ويكون تأثيرا موقتا لبضعة ايام لا تتجاوز الاسبوع، وتجدر الاشارة الى انه كلما كان التعديل في الساعة اكبر كلما كان تأثيره على جسم الانسان اكبر. وتختلف التأثيرات من شخص لآخر، فالبعض يمكن ان يعاني من الارق، والبعض الآخر قد يعاني من مشكلة في الاستيقاظ. ولكن هناك بعض الأعضاء تتأثر اكثر من غيرها في جسم الانسان، فجهاز القلب والشرايين لا يتأثر كالجهاز الهضمي او العصبي، كما أن هناك اشخاصا قد لا يتأثرون ابدا بتعديل الساعة البيولوجية، فكل شخص يتأثر بطريقة مختلفة عن الآخر.
عادة لا أكثر
وكان لا بدّ من استشارة اصحاب الاختصاص في هذا الموضوع كون الهدف الاساسي للعمل بالتوقيت الصيفي كان لاسباب اقتصادية، إذ أنه حسب الدراسات العالمية التي تناولت الموضوع والتي اطلع عليها الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، تبين أن الدول التي تعمل بالتوقيت الصيفي هي البلدان التي يكون فيها فعلا تغيير في الوقت بمعنى آخر في البلاد التي تكون بعيدة عن خط الاستواء، فكلما ابتعد البلد عن خط الاستواء كلما كان تغيير التوقيت له معنى اكثر. علماً أن هذا الموضوع في الدول الغربية هو موضع جدل سنوي، وتخلّت عنه بعض الدول، حتى إن الاتحاد الاوروبي (الحكومة الفيدرالية على صعيد اوروبا) له اعتراضاته على هذا التوقيت.
وتشير الدراسات الى ان في تلك الدول تكون للتوقيت الصيفي فائدة اقتصادية عبر التوفير في الطاقة، ولكن ذلك التوفير لا معنى له أمام التداعيات الأخرى والتي تطول لوائحها حسب الدراسات، ويمكن تلخيصها باللخبطة التي تصيب الساعة البيولوجية لدى الانسان، ما يدعو الى زيادة استهلاك ادوية الاعصاب لتساعد الانسان على النوم، او زيادة استهلاك المنبهات لمساعدة بعضهم على الاستيقاظ، كما وان التوقيت الصيفي له تداعيات على تغيير الوقت بين دولة ودولة وهذا ما يؤثر على الاتصالات والعمل ما بين الدول. وبالنسبة للبيئة فإن تقديم الساعة يعني أن الموظف سيبدأ بعمله ابكر بساعة وسينتهي من عمله قبل ساعة وبالتالي سيكون لديه وقت اكبر لممارسة نشاطاته بعد العمل، ما يزيد من مصروف البنزين وبالتالي التلوث والانبعاث الحراري وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الارض. حتى إن الانتاج الحيواني لبعض الحيوانات الثديية يتأثر بهذا التوقيت سلباً.
أما على صعيد لبنان فيؤكد عجاقة أن لا نفع لهذه العادة السنوية، لاننا نعيش في بلد قريب من خط الاستواء، وليس لها ان توفر في الطاقة لان طريقة استهلاك الطاقة في لبنان في الاساس سيئة، والكهرباء لم تتأثر ايجابياً بهذا التدبير لأن العجز على حاله منذ أن بدأ لبنان العمل بالتوقيت الصيفي.
تقديم كاذب
ومن هنا يمكننا القول بأن التوقيت الصيفي ما هو إلا عادة لا أكثر، يمكن ان تدخل في باب التقليد الاعمى للغرب، وحبّذا لو أننا اخذنا من ذاك الغرب ديمقراطيته وتعلمنا منه كيفية ادارة نفاياتنا بدلاً من هذا العُرف غير المجدي، ويا ليت دولتنا تنتظم على اقرار قوانين مفيدة للبنانيين، والعمل على تقديم التوقيت في بلدنا جدّياً، بدلاً من تقديم عقارب ساعاتنا كذباً الى الامام في الوقت الذي تعود السلطة بنا… آلاف السنين الى الوراء.
نهلا ناصر الدين- البلد
http://www.albaladonline.com/ar/NewsDetails.aspx?pageid=388882