‘الجمهورية’ | مسؤول رسمي للمودعين ‘شو أنا عندي مطبعة دولارات؟!’
مع انّه كان ينبغي أن يصدر قانون الكابيتال كونترول غداة 17 تشرين 2019 لمنع تحويل الأموال او تهريبها الى الخارج، لا يزال هذا القانون المفترض موضع أخذ وردّ بين أصحاب الشأن حتى الآن، ما افقده الكثير من فعاليته وجدواه. وآخر نماذج إهدار الوقت كما المال، تمثل في التجاذب النيابي الحاد حول طرح متعثر لم يلق قبولاً، فجرى سحبه لإعادة «تأهيله».
سقط مشروع الكابيتال كونترول في اللجان النيابية المشتركة قبل أن يصل إلى جلسة الهيئة العامة، على أن تعيد الحكومة النظر فيه لتصحيح ما يعتريه من مكامن خلل واعوجاج.
ولعلّ أسوأ ما في المشروع، وفق معارضيه، هو أنّه يأتي على حساب مصلحة المودعين و»يقتات» من «أشلاء» ودائعهم المحتجزة، بدل ان يحميها ويضمن عودتها اليهم سالمة ولو بالتقسيط، إذ انّه – في رأيهم – «يقونن» السرقة التي تعرّضوا لها، ويلحظ استرجاع الودائع الخضراء (الدولار) بالليرة اللبنانية، فيما تنطوي بعض بنوده الأساسية على مقدار كبير ونافر من الاستنسابية والتميبز، كذلك يعزز صلاحيات مصرف لبنان، ويؤمّن حماية قضائية للمصارف في الداخل والخارج، مانعاً المودع من مقاضاتها وغيرها من التفاصيل التي «تهيّبها» عدد من النواب، عندما دنت لحظة الحقيقة.
ويبدو انّ الحسابات الانتخابية المضمرة أدّت دوراً في دفع بعض النواب الى رفض إقرار الصيغة المقترحة من الكابيتال كونترول، تفادياً لإغضاب الناخبين- المودعين، على بُعد مسافة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية، وبالتالي، فإنّ المودعين يشعرون بأنّ الفرصة مؤاتية للضغط في اتجاه «قوننة» حقوقهم وحماية ودائعهم، ربطاً بحاجة المشرّعين الى أصواتهم بعد حين، «وإلّا فإنّ أحداً لن يسمعنا منذ اللحظة التي تلي أقفال صناديق الاقتراع».
غير أنّ اوساطاً نيابية تحذّر في المقابل من خطورة التعامل مع الكابيتال كونترول بشعبوية وخفة، فقط لكسب ودّ الناخبين واصواتهم، معتبرة انّ هذا الملف يحتاج إلى منسوب مرتفع من الحكمة والبراغماتية، حتى لو تطلب الأمر اتخاذ قرارات غير شعبية احياناً.
وعُلم انّ ممثلي المودعين تواصلوا خلال الايام القليلة الماضية مع عدد كبير من النواب، وأبلغوا اليهم انّ صيغة الكابيتال كونترول التي كانت مطروحة في «التداول المجلسي» لا يمكن أن تمرّ، وضغطوا عليهم لمنع إقرارها تحت طائلة المسؤولية، انطلاقاً من معادلة: «إما انكم تمثلوننا وإما تمثلون المصارف».
وعلى رغم انّ هناك محاولات مستمرة لتحميل المودعين بشكل او بآخر نسبة إضافية من الخسائر في إطار الخطة الإنقاذية، الّا انّ هؤلاء يعتبرون انّهم دفعوا الثمن الأكبر منذ حصول الانهيار المالي، عبر «هيركات» الأمر الواقع والاقتطاع المؤلم من مدخراتهم المصرفية على سعر 3900 ليرة، وبالتالي هم يرفضون الاستمرار في استنزافهم عبر حلول ظالمة وتعسفية، ويصرّون على استعادة ودائعهم المتبقية بعملة الإيداع، (بالدولار)، ولو على مراحل.
هذا الطرح المبدئي يناقشه ممثلو المودعين مع المسؤولين الذين يلتقون بهم من وقت الى آخر، غير انّ ما سمعوه حتى الآن لا يدعو الى التفاؤل بإمكان تحرير «الرهائن المالية» من دون أن تصاب بأضرار.
وعندما ألحّ أحد الناطقين بإسم المودعين على مسؤول رسمي كبير بضرورة استرجاع الودائع كما وُضعت في الحسابات المصرفية، أي بالعملة الخضراء، أجاب هذا المسؤول على الطلب بالتساؤل: «شو أنا عندي مطبعة دولارات؟!».
وأخيراً، التقى وفد من المودعين بوزير بارز ومواكب للملف المالي في الحكومة الحالية، سعياً الى محاولة الحصول على تطمينات وضمانات في شأن الاحتمالات المستقبلية، الّا انّ الوفد خرج من اللقاء مشوشاً، بعدما تبلّغ من الوزير انّ الوضع صعب جداً جداً، وانّ الخسارة الواقعة سيتحمّلها الجميع، مشدّداً على أنّ لا حل ممكناً بين ليلة وضحاها بل يتطلب فترة طويلة. وأضاف: «لا اريد التسليم بأنّ أفق الحلول مسدود ولكنه ضيّق، وعلى كلٍ لو لم يكن يوجد أمل، ما كنت لأقبل بتولّي المنصب ودخول الحكومة».
وعُلم انّ جمعية المودعين في صدد وضع تصور بديل للكابيتال كونترول يراعي الاصول والحقوق، على قاعدة عدم القبول بأن يكون ضحايا الأزمة هم أيضاً ضحايا الحل، مع تأكيد ضرورة ان تتحمّل الدولة والبنك المركزي والمصارف وحدها كلفة معالجة ما تسببت به سياساتها وخياراتها، على امتداد عقود، من انهيار مدوٍ.