الحريري زعيم 8 آذار!
“تحت عنوان “الحريري زعيم 8 آذار!”، كتب عبدالله قمح في ليبانون ديبايت:
لم يعد اعتذار رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري هو القضية. ما يهم الآن، البحث في مستقبل وضعيته السياسية، هل يستمرّ على ذات مستوى الحضور الذي ألِفناه عام 2018 وما قبل، أم أنه سيرشّد في ظل طغيان انتشار “الخوارج” من حوله. إذا كان نعم فكيف؟ يبقى السؤال المركزي: أين سيكون الحريري إقليمياً.
الرئيس سعد الحريري مأزوم. الكل صار في صورة ما يحدث للرجل. رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحركة “أمل” ورئيسها، وكل من يشتغل في السياسة. يتبدّى ذلك من خلال الخلل الذي اعترى علاقة الرجل بالسعودية. ليس سراً أن الحريري غادرَ الموقع السعودي أو يكاد، ليس رغبة منه إنما فرضاً عليه. إنه لأمرٍ جلل، بالنسبة إلى البعض، أن يصبح إبن رفيق الحريري الحائز على صفة “المرشّح الدائم” لتولّي موقع رئاسة مجلس الوزراء خارج الحسابات السعودية، أي الموقع الذي لُزّم إلى الطرف السعودي بُعَيد الطائف تحت عنوان: “رعاية المصالح السُنيّة داخل منظومة الحكم”. على نحوٍ مخالف للواقع، أضحى الحريري مطلوباً سياسياً وقضائياً في الرياض وممنوعاً من دخول المملكة، وهذا إنما له تأثيره بطبيعة الحال على موقعه الراهن وحضوره البعيدين عن أي تأثير سعودي، وهو ما يرفعه البعض إلى مصاف “السبب الجوهري الحائل دون التأليف”، ويردّون إرتباك الحريري إليه.
عملياً، بات رئيس تيّار “المستقبل” ملازماً لوائح العقوبات السياسية السعودية، الإماراتيون يدركون ذلك، ويأملون “إدارة الأزمة” بين الطرفين ضمن الحد الأدنى المسموح به. وحكام الإمارات باتوا في صورة أن بقاء الحريري مكلّفاً لن يدرّ عليه أية فوائد تُذكر، وطمعه بـ”التقريش السياسي” للعودة إلى المملكة بذريعة “أنني أقوّض عهد ميشال عون” محاولة لن تمرّ على الرياض التي تعتقد أن الإنهيار كفيل بتحقيق ذلك الهدف، إنما سترتد القضية عليه داخلياً، فلماذا منح سعد الحريري “شريك عون السابق وحليف حزب الله” ورقة؟
في الواقع، فهم الحريري أن أبو ظبي لم تنجح في تسويق أفكاره، إنما تأكد له أنها صارت تتبنّى موقف الرياض، وعادت وتراجعت عن إصرارها عليه تأليف الحكومة. عملياً، مهما بلغت أبو ظبي في “تدليع” الحريري، يبقى هامش إستقلاليتها محدوداً، وأن سقفها لا يتجاوز الحدود المرسومة سعودياً. سقف أبوظبي يأتي في محاولة “تنظيم” العلاقة مع الحريري” ليس إلّا، فيما يبقى همّها الأكبر في عدم ترك “بي السُنّة” “يشطح” في البحث عن “مرجعية”، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية إرتمائه في الأحضان التركية!
على أي حال، بات معلوماً أن الطائفة السُنّية قد دخلت زمن الإنتخابات. بكّرت مقارنةً بالآخرين، لكن، وفي ظلّ وضعية سياسية كتلك التي نعيشها ووقوف الطائفة السنّية عند مفترق، تعدّ النقاشات دليلاً صحياً إنما ضرورة. عملياً، الكل يُريد الأكل من صحن بيت الوسط، وعملياً أيضاً، جانب لا بأس به بات يعتقد أن شمس آل الحريري مقبلة على الأفول، لذا ينمو الصراع على الأطراف بين من يعتقدون أنفسهم “خلفاء راشدون” للحريري، ويمكنهم الإستفادة من الوضعية الراهنة، سواء بشكل كامل أو جزئي.
في المقابل، تدور الدائرة على بيت الوسط. من كانوا خصوماً بالأمس غدوا حلفاء “إلى حدٍ ما” اليوم. من عاينَ زيارات النائبين عدنان طرابلسي وجهاد الصمد إلى وادي أبو جميل، أدركَ أن المسألة غير منحصرة بمناقشة أوضاع حكومية طارئة ومستعجلة، إنما أوسع وأكبر من ذلك. وفي ظل كلام الصمد التصاعدي بحق العهد وجبران باسيل، ينمو إدراك أن التسليف الإنتخابي بدأ باكراً، وقد نعثر حين وقوع الواقعة الإنتخابية سواء على الصمد أو طرابلسي، أو ربما أمين شرّي (نائب حزب الله) متعمشقاً بلوائح الحريري على قاعدة: “المساكنة وفك الإشتباك تحت ظل العهد” التي تعني عملياً تمكين الحريري من التفوّق على آخرين يصنفون في خانة “الطفيليات الضارة”.
والحريري يُدرك في سرّه، أن مكمن العودة إلى السلطة، تحتاج إلى تثبيت معادلاته السياسية وتنمية حضوره أو المحافظة عليه، لذا “يركّ” على الإنتخابات آملاً الثبات على ما لديه اليوم أو تعزيزه، ولو كان لا بد من “ترشيد” فيمكن له أن يقبل بخسارة محدودة لا تتعدى سقف مقعد أو إثنين. في المقابل، يعوّل على السقوط المدوّي للتيار، أو هندسة حضوره. بنظره هذا إنما له أن يقلّم أظافر “العونيين” ويقوّي عناصر الحريري ويتيح له مجال العودة لفرض شروطه المعلومة في مجال تأليف حكومة المقبلة، أي حكومة 2022 الموكل إليها مهمّة الانقاذ، التي ستصبع أمراً واقعاً يستظل ما تبقى من عهد ميشال عون! يمثل ذلك بالنسبة إلى الحريري و العونيين على السواء إنكساراً.
في الطريق إلى ذلك، لا يضرّ الحريري تفشّي الخصوم من حوله. رئيس تيّار “المستقبل” يعوّل على استثمار الحالات “الشاذة” المنتشرة لتعزيز موقعه في السلطة على قاعدة: “أنا أهون الشرور”. الآخرين يعلمون، أي “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” والإشتراكي و”المردة” وغيرهم، أن المطروحين لخلافة الحريري “مشاريع مشاكل طائفية” مثيرة للقلق، لذا نما على ضفّتهم منطق سياسي مفاده: “الحريري أفضل الممكن”. من هنا، يُمكن البدء باستنتاج خلفيات دعمه وتغطيته الراهنة في التأليف وللبحث صلة.