الخريف السعودي يسرّع وصول الربيع اللبناني
لم يتأخر الوقت كثيراً حتى انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض للقرار الذي اتخذته السعودية والقاضي بتعليق العمل في الهبة التي منحتها للجيش اللبناني والقوى الامنية، بسبب الموقف اللبناني من الاعتداء على سفارتها في ايران.
طبيعي ان ينقسم اللبنانيون ازاء هذا الموقف، وليس مستغرباً ان يتركوا اموراً اساسية ومصيرية يعاني منها وطنهم، معلقة حتى اشعار آخر والى ما لا نهاية، من اجل عيون الآخرين. فلا رئاسة الجمهورية المصابة بمرض الفراغ، ولا النفايات التي تفترش الطرق والشوارع، ولا الارهاب الذي يطل برأسه في المناطق اللبنانية، ولا النازحون الذين باتوا من “اهل البيت”، ولا النواب الذين فرضوا انفسهم “بالقوة” على ساحة النجمة… تستأهل التركيز عليها ومحاولة حلها واحدة تلو الاخرى، واظهار ان اللبنانيين قادرون ان يكونوا راشدين ويعالجون مشاكلهم بديمقراطية وبحرية، بينما يقفون على اهبة الاستعداد للنزول الى الشارع وربما الاصطدام باخوانهم في الوطن من اجل الدفاع عن السعودية او ايران او الولايات المتحدة او اي بلد آخر.
من المؤكد ان القرار السعودي لم يأتِ من فراغ. ففي الشكل اولاً، لا يمكن وفق الاعراف الدبلوماسية ان يتم الاعلان عن وقف مساعدات من دولة الى دولة عبر وسائل الاعلام، وان تنسب المعلومات الى مصدر او مسؤول مجهول الهوية، كما انه في الشكل ايضاً من غير اللائق ان يحصل مثل هذا الامر نسبة الى قرار صادر عن ملك سعودي (ولو انه راحل).
هذا الامر رأى فيه البعض انه يبقي الباب مفتوحاً امام العودة عنه، وانه اقرب الى “جس نبض” لمعرفة ردود الفعل التي سيخلفها مثل هذا القرار على الساحتين اللبنانية والاقليمية. الا ان انضمام دول عربية اخرى اوحى بما لا يقبل الشك ان هناك “طبخة ما” باتت موضوعة على النار، وان الامور تتعدى مرحلة “جس النبض”، وهو ما عززته ردود الفعل في لبنان.
وفي هذا الاطار، يمكن وضع المسار التصاعدي للاحداث على الساحة اللبنانية، والتي اعقبت القرار اذ تطورت من ردود فعل منددة لايران و”حزب الله”، الى اعلان وزير العدل اشرف ريفي استقالته من الحكومة، الى تحديد رئيس الحكومة موعداً لمجلس الوزراء لمناقشة ما يحصل.
ولكن، لا بد من التوقف عند بعض خلفيات هذا القرار، فهو لم يأت الا بعد اسابيع على عدم موافقة لبنان على بيان وزراء الخارجية العرب، كما ان الرفض اللبناني لم يكن على استنكار الاعتداء على السفارة او بسبب ايران، بل بسبب وجود اسم “حزب الله” في البيان وفق ما ذكر وزير الخارجية الاماراتي نفسه(1).
لم يكن القرار موفقاً من الناحية الامنية العملية، فلو كان فقط لناحية تسجيل موقف او ارسال رسالة استياء من السعودية الى لبنان، لما كان استهدف الجيش اللبناني بشكل خاص، والقوى الامنية بشكل عام، وذلك في خضم المعمعة حول وجوب محاربة الارهاب ووسط مناديات متواصلة لتسليح الجيش من اجل ان يقوم بمهامه التي تعلق عليها دول العالم اجمع اهمية بالغة لعدم تمدد الارهابيين وايجادهم ملاذا آمناً بفعل استهدافهم في سوريا والعراق.
من الناحية السياسية، ارادت السعودية ان تعيد اثبات وجودها في لبنان بعد الحديث عن تراجع دورها في المنطقة وتنامي النفوذ الايراني في لبنان بفعل التقدم الذي تشهده الجبهة في سوريا، وعدم تحقيق الرياض اهدافاً واضحة وصريحة في الحرب القائمة في اليمن.
الرسالة السعودية ارادت اعادة احياء الورقة اللبنانية في يدها، وهذا ما تجسد من خلال التهديد بزعزعة الاستقرار السياسي (هزّ الوضع الحكومي واستقالة الوزير ريفي)، وربما الاستقرار الاقتصادي (اذا ما قررت في وقت لاحق سحب الودائع من المصارف)، والاستقرار الامني (حصول تظاهرات دفاعاً عن الرياض وسياستها).
ويرى الكثيرون ان هذه المواقف في المقابل، ما هي الا تجسيد لما يمكن تسميته بـ”الخريف السعودي” في لبنان والمنطقة، في ظل ما يحصل من تطورات ميدانية وسياسية تصب في مصلحة الخط المؤيد لايران، وهي لن تصب في مصلحة الرياض في اي شكل من الاشكال، لان ما ربحه انصار هذا الخط في لبنان في السابق لا يمكن ان يخسروه او يتراجعوا من ناحية المكتسبات في ظل “الفورة” التي تعيشها ايران حالياً.
اما الناحية الاخيرة التي يمكن ان تترتب على الموقف السعودي، فهي التسريع في وصول “الربيع اللبناني” المنتظر، والذي سيكون اما عبر مأزق سياسي عميق يطال الحكومة ويؤدي الى عدم احتمال الشلل الذي سيترتب عليه، واما عبر ازمة امنية قد تتجسد في تظاهرات او مواجهات محدودة بين مؤيدي الرياض وطهران، لن تصل الى حدود 7 ايار ولكنها لن تكون بسيطة ايضاً، وستعيد خلط الاوراق وتدخل القوى الكبرى لـ”ضبط الوضع”.
هل هذا بالفعل ما هدف اليه القرار السعودي؟ وهل صحيح ما يتم تداوله من ان السعوديين رغبوا في انقاذ ماء الوجه وايجاد مخرج مناسب لعدم الاستمرار بالهبة المالية التي اعلنها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، خصوصاً وانها كانت شبه مجمّدة كونها لم تسفر منذ سنتين عن وصول اي اسلحة نوعية للجيش؟
يبدو ان السباق بات على اوجه بين الخريف السعودي والربيع اللبناني، فمن سيصل اولاً؟
طوني خوري – النشرة