الدولار إلى صعود… وإليكم سيناريو المرحلة المقبلة!
أن يصل الدولار إلى 34 ألف ليرة، فهذا الأمر ليس بجديد. فقد حدث أن تجاوز سعر الصرف منذ فترة عتبة 37 ألف ليرة، قبل أن يرتد سريعاً إلى 28 ألفاً. لكن الفرق هذه المرة، أن طلقات مصرف لبنان «الفشينك»، أعجز من أن تُخيف الدولار «المُتحنجل» صعوداً، وتردّه «كرجاً» إلى مستويات أدنى كما حدث عصر يوم الجمعة 27 أيار الفائت.
كل المؤشرات الاقتصادية، السياسية، والنفسية تدل على أن سعر الصرف مستمر في الارتفاع. وبالنظر إلى مساره العام منذ بداية الأزمة، يُتوقع أن يتجاوز عتبة 37 ألف ليرة قريباً، ليعود ويرتاح عليها فترة من الزمن قبل أن يواصل مشواره التصاعدي. إلا أنه مع استمرار التأزم السياسي، وتعطيل الاصلاحات، ومغادرة المغتربين، ورفع الدعم عن المحروقات، وفرض الدولار الجمركي، ستصبح فترة ثبات الدولار على سعر ما أقصر، ومعدلات ارتفاعه أسرع. وعليه، لن تكون قيمة الليرة مقابل الدولار هي المعيار لسعر الصرف إنما سرعة تبدلها. وهو ما يعد أخطر بما لا يقاس على الاقتصاد، وآلية التسعير والتضخم وضرب القدرة الشرائية للمداخيل.
عوامل الضغط على سعر الصرف
بالاضافة إلى تراجع قدرة مصرف لبنان على ضخ الدولار على منصة صيرفة، فان تفصيل بعض المؤشرات التي سبق ذكرها يظهر أسباب الضغط الكبير على سعر الصرف، ومنها:
– مواصلة مصرف لبنان سياسة رفع الدعم التدريجي عن المحروقات. حيث خفض نسبة الدولار المؤمن من قبله على سعر منصة صيرفة لاستيراد البنزين من 70 إلى 55 في المئة. الأمر الذي من شأنه زيادة الطلب على الدولار من السوق السوداء بالتوازي مع نسب التخفيض المتسارعة.
– مغادرة المغتربين وفقدان الأسواق مصدراً مهماً لعرض الدولار، كان قد أراح «المركزي» من التدخل بكميات وازنة طيلة الاشهر الثلاثة الماضية.
– زيادة الطلب على الدولار لشراء السلع من الخارج تحسباً من رفع الدولار الجمركي.
– إنعدام الخدمات العامة، خصوصاً لجهة الكهرباء والنقل. ما يفرض استمرار الطلب المرتفع على المحروقات من أجل النقل الخاص والمولدات وقطع غيار السيارات.
– الفقدان التدريجي لمصادر الدولار، ولا سيما مع استنفاد التوظيفات الالزامية في مصرف لبنان.
– إنعدام الثقة بأي تغيير جدي ممكن أن يحدث على صعيد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
أمام هذه التحديات الخطيرة والمتفاقمة، «ما زالت المنظومة تضيع الوقت جرياً على عادتها، وتخسّر البلد مع كل إشراقة شمس بين 20 إلى 30 مليون دولار مما تبقى من نقد صعب»، يقول الخبير الاقتصادي جان طويلة، و»هذا أصل البلاء الذي لا يمكن مداواته إلاّ بتغييرها». فهل يعقل بعد 3 سنوات على نشوب أقسى أزمة اقتصادية في تاريخ دول العالم ألا تتشكل حكومة سريعاً بعد الانتخابات النيابيةّ تضطلع بمسؤولياتها الاصلاحية! أو حتى أن تكون هناك تهديدات جدية بفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية! أسئلة ذيلية، لا تُطرح ليجاب عليها، إنما للاستهجان.
فاليوم قد يكون بمقدار مصرف لبنان التدخل ليضخ الدولار على منصة صيرفة لتخفيض سعر الصرف، «إنما هذا سيكون على حساب ما تبقى من حقوق للمودعين في المصارف من جهة، وتكبير الفجوة النقدية من جهة أخرى»، يقول طويلة، «حيث من المتوقع أن ننهي العام على فجوة بمقدار 80 مليار دولار تفوق حجم الاقتصاد بـ 5 مرات، واحتياطي عملات أجنبية يقل عن 10 مليارات دولار. وذلك بعدما كانت الفجوة (الفرق بين موجودات ومطلوبات المركزي تجاه المصارف ) لا تتجاوز 45 ملياراً في بدايات العام 2020… وهذا يعني العجز عن تنفيذ كل الوعود التي تطلق لحماية صغار المودعين وزيف الادعاءات بامكانية التعويض أقله بـ 100 ألف دولار على كل مودع. فأموال هذه العملية التي تفوق 30 مليار دولار لم تعد متوفرة ومن شبه الاستحالة إعادة تأمينها».
في المقابل تستمر الدولة بالحلول الترقيعية غير المستدامة التي تفاقم المشكلة، و»لا تغني عن جوع»، برأي طويلة. و»من الامثلة الفاقعة على ذلك الاستمرار بطباعة كميات كبيرة من العملة الوطنية لتغطية مصاريف القطاع العام، وخصوصاً رواتب الموظفين. وعلى الرغم من استمرار اضرابهم منذ أكثر من 3 أشهر تظهر حلول من قبيل مضاعفة الرواتب، فقط لكي يحضروا مرتين بالاسبوع إلى العمل. وبدلاً من تطبيق إصلاحات جدية تؤمن استمرارية المرفق ولا تنهك الاقتصاد وتضعف القدرة الشرائية، يتجهون إلى حل ترقيعي آخر برفع الدولار الجمركي، مع كل ما سيسببه من مضاعفات للاقتصاد، و»حرق» ما تبقى من احتياطيات عملة اجنبية استراتيجية كان يجب استعمالها مع بدء الاصلاحات. وهم يراهنون من وجهة نظر طويلة على «خرطوشة» احتياطي الذهب بعد نفاد العملة الصعبة المتأتية مما تبقى من توظيفات الزامية وحقوق سحب خاصة.
الحل بالدولرة الشاملة
تقصّد عدم القيام بالاصلاحات المرجوة والتسليم جدلاً بحتمية استمرار تدهور سعر الصرف يفترض بالمسؤولين برأي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق LIMS د. باتريك مارديني، اتخاذ إجراءين بشكل فوري، وهما:
الأول، يتعلق بالحد من تداعيات انهيار سعر الصرف السلبية، من خلال الانتقال إلى الدولرة الشاملة في مختلف القطاعات. وقد رأينا نجاح التجربة في القطاع السياحي، حيث ساعدت على تأمين آلية تسعير مستقرة حفظت حق صاحب العمل والزبون. فلم يضطر صاحب المصلحة للابقاء على الاسعار بالليرة مع ارتفاع الدولار وتحمل الخسارة من جيبه، أو يرفعها ويخسر ثقة زبائنه.
الثاني، وقف العوامل التي تدفع باتجاه هذه التقلبات والانهيارات المتواصلة من خلال تسعير مختلف السلع والخدمات بالدولار. وهو ما يسمح للمؤسسات بالتسديد لعمالها بالدولار. وبالتالي المحافظة على قدرتهم الشرائية والحد من انهيارها. فاذا انهار سعر الصرف إلى 60 ألف ليرة يبقى مثلاً راتب العامل 100 دولار ولا يصبح 50 دولاراً.
أما في ما يخص موظفي القطاع العام الذين يستفيدون اليوم من دولرة رواتبهم على أساس التعميم 161، فان الدولرة الشاملة تسمح للدولة بتقاضي جميع رسومها وضرائبها بالدولار، وبالتالي السداد لموظفيها بالدولار أيضاً. و»هذا يتطلب العمل بشكل معكوس عما يجري اليوم»، بحسب مارديني. فلا يجوز البدء بدولرة الضرائب والرسوم مثل الدولار الجمركي، قبل دولرة المداخيل للشركات والمواطنين. فيتم البدء بدولرة الاسعار من بعدها الاجور ومن ثم الضرائب والرسوم وفي النهاية رواتب الموظفين في القطاع العام.
«أكثر ما يثير الدهشة والاستغراب في آن هو عدم استيعاب اللبنانيين لحجم الخسارة التي تكبدوها»، يقول جان طويلة. فاذا كانوا لا يعلمون مصيبة وإذا كانوا يعلمون ولا يتصرفون فالمصيبة أكبر. فمع إقفال 2022 يصبح من المستحيل ردّ أكثر من 10 في المئة من حقوق المودعين والتضخم سيأكل القدرة الشرائية لبقية المستهلكين… وحبل الانهيار على جرار عدم اتخاذ أي خطوات للاصلاح.
المصدر : خالد أبو شقرا – نداء الوطن