السعودية تزنّر الحريري.. أديب ينقلبُ على ‘تفاهم الخميس’؟
الرياح التي هبّت من الرياض أوقعت بيروت تحت تأثير منخفضٍ جوي. رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب الواقع تحت منخفض تأثره بمزاج حاضنته السياسية المتمثلة في “الرباعي الرئاسي السني” متذبذب ويخضع نفسه لتبدل سريع في المزاج السياسي. قبل يوم واحد من نهار أمس، أبلغ إلى “الخليلين” استعداده للتعاون. في النهار التالي توجه إلى القصر الجمهوري ليقدم تشكيلة حكومية خالية من الوزراء، ليعود بعد ذلك ليطلب إشراكه “بشكل أوسع” في إختيار الوزراء الشيعة، ما كاد أن يحول الايجابيات إلى سلبيات لها قدرة الاطاحة بما جرى تأمينه من توافقات داخلية أوحت بقرب إعلان تشكيل الحكومة.
مرصد أحوال السياسة، ضبط سلبيات تسبح في الفضاء اللبناني مصدرها شبه الجزيرة العربية، يخشى أن تلفح بيت الوسط بنسمات باردة قد تسهم في تعكير مزاجها السياسي هي الاخرى وتقليب الاجواء الداخلية التي بدأت تشهد برودة واضحة مع دخول أديب والثنائي الشيعي في مباحثات عميقة اوحت أنها ذات قدرة على إنتاج حكومة خلال الأسبوع المقبل في حال بقي هذا النشاط على حاله.
رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بدأ يتحسّس نماذج من هذا التصعيد. جزء منه يهب عليه من بين جدران “الرباعية السنية”، فكلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الداعي لنزع سلاح حزب الله والذي كال اتهامات من نوع ثقيل واصفاً الحزب بالارهابي والتابع لإيران والمسؤول عن كارثة إنفجار المرفأ وتعطيل المؤسسات، لم يجد صاحب البيت وسيلة سريعة لهضمه، كأن المقصود كان رسالة كتبت بنية بعثها إلى سعد الحريري من أجل ترسيم حدود العلاقة مع الحزب وإنذاره من مغبة التعمق في علاقة ترفضها الرياض وكادت ذات مرة ان تطيح بحاضر سعد ومستقبله السياسي.
كأن الرسالة السعودية حددت لسعد الحريري خريطة عودته إلى حضن المملكة بعد سلسلة محاولات تسليف مواقف لم تسفر عن شيء سوى مراكمة المزيد من الابتعاد السياسي عنها. بالنسبة إلى الرياض، عودة العلاقات “الحريرية” يمر من عنبر عنوانه “إعلان رفض سلاح حزب الله وقطع كافة أشكال العلاقات معه”.
حتى ذلك الحين، يمضي الحريري في اعتماد الطَرَش السياسي تجاه المطالب الواردة على شكل رسائل من المملكة، مبالغاً في رمي نفسه في الاحضان الفرنسية علّها تقيه الجموح السعودي الذي يتجلى راهناً بتحريك الدوائر السنية ضده. فالمزاج العام السني الذي يعبر عنه رؤساء الحكومات السابقين ومستويات سياسية سنية أخرى ودوائر اعلامية لصيقة بالطرفين، غير مرحب بمبادرة الحريري وبالكاد يهضمها، وهذا المزاج ما زال يجهل “المراهقة السياسية” الدائم التي يوقع الحريري نفسه في شرورها. فما معنى أن يتشدد بدايةً عند رفض منح الشيعة حقيبة المالية ثم يعود عن ذلك ببيان خط فيه أسباب التراجع من دون ذكر أي عبارة مفيدة؟ بيان لم يقرأ لدى المستويات السنية إلا من قاعدة انه تنازل بمثابة رد “جميل لرئيس فرنسا الذي أنقذه ذات تشرين من فندق سعودي” وفق قول مصدر سني. فإذا كان الحريري يبني سياساته على مبدأ ردود الفعل وتسليف المواقف بعد خوض معارك دونكيشوتية، معنى ذلك ان سياق التنازلات مستمر والفشل في الادارة السياسية السنية يطبع جبين المرحلة.
أكثر من 48 ساعة مرّت على فراغ الملك من خطابه، لم يسجل على قائمة نشاط بيت الوسط أن أوعزت إلى أديب تغيير مزاجه السياسي تجاه الثنائي الشيعي، بل على العكس، جاءت تلك الساعات محملة بإيجابيات كثيرة، كعودة الدفء على خط المشاورات بين الرئيس المكلف والثنائي الشيعي.
أكثر من ذلك، يفيد المتابعون لمسار التأليف، أن الرئيس المكلف عازم على تقديم تصور حكومي واضح عبارة عن تشكيلة خلال مهلة 48 ساعة قادمة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ليشكل هذا التوجه إعلاناً صريحاً على دخول البلاد مدار التأليف.
كان مخططاً يوم أمس أن يلتقي أديب بالرئيس عون في قصر بعبدا عند الظهر، لكن الموعد تأجل إلى بعد الظهر تحت ضغط المشاورات المفتوحة التي قام بها أديب منذ الصباح وعلى كافة الخطوط وتحت إشراف “وسيط الجمهورية”. كان الرئيس المكلف يأمل أن يختمها بتسليم عون مسودة حكومية، لم ينجح بتمريرها نتيجة تمنيات من مصادر متعددة إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات. إكتفى أديب باصطحاب ملف معه إلى القصر تضمن صيغة حكومية مؤلفة من 14 وزيراً موزعة مناصفة في الحقائب بين المسلمين والمسيحيين 8/8 من غير أن يجري إسقاط أسماء الوزراء عليها. اختلى أديب بالرئيس مدة 40 دقيقة عرض خلالها تصوره. السبب في عدم إسقاط الاسماء يعود إلى تريث أديب في إستلام اللائحة الاسمية من الثنائي الشيعي، ففضلَ أديب أن يبقي التشكيلة خالية من الأسماء، وفي ذلك محاولة منه لاستطلاع موقف الرئيس من الصيغة، وبناء على موقفه يطلب الأسماء، لكن الرئيس طلب إمهاله لدراسة الصيغة المقدمة إليه.
ساعات الليل شهدت حركة دائمة ومستمرة. عادت الدورة إلى المطلب الشيعي في محاولةٍ لنيل الأسماء تمهيداً لإسقاطها على تشكيلة أديب. الرئيس المكلف، وبحسب المعلومات، اشترطَ على الثنائي إشراكه في عملية التسمية. قال صراحة أن لديه أسماء شيعية يرغب في توزيرها وأنه يريد المشاركة في تحديد هوية الوزراء الشيعة الآخرين من خارج حقيبة المالية، ما أوحى باحتمال عودة العقدة إلى مربعها الأول. تشدّد الثنائي رافضاً أي خطوة “إنقلاب” على تفاهم “رفع اللائحة”، وسأل عن سبب عودة أديب إلى مطلب المشاركة المباشرة في التسمية؟ الجواب غير صعب إذا ما جرى التركيز على أدوار “الرباعي السني” عند هذه النقطة المتشددة عادت التدخلات مجدداً في محاولة لإنقاذ “تفاهم الخميس”. أثناء ذلك، نبت من مكان آخر شبه عقدة حول صيغة الطراز الأرمني. حزب الطاشناق، ابلغ إلى الرئيس المكلف نيته تسمية الوزير الأرمني الوحيد في الحكومة. انها بداية نبات “العقدة المسيحية” إذاً.
المصدر : عبدالله قمح – ليبانون ديبايت