الشابة ثريا تروي قصّة إصابة 13 فرد من أسرتها بكورونا ووفاة والدها بالفيروس.. ‘موجة شرسة ضربت البيت، بلشو يتساقطو متل أوراق الخريف’..
إليكم القصة التي نشرتها “ثريا عميري” عن إصابة 13 فرد من أسرتها بكورونا ووفاة والدها..
28 يوم مع كورونا..وخلصت حكايتنا
كورونا اللي صابت روحي بس ما لامست جسمي..حبيت شارككن تجربتي القاسية يلي يمكن تفيد كتار منكن وكتار صارو بيعرفو هالوجع..
اسمي ثريا،اللي عرفوني عهالغروب شافوني لما كنت عم فتش عبلازما مرات كتيرة..لما كنت اسأل دكاترة و أسئلة عن التيوب و أشيا من وحي كورونا اللعين..
قصتي بلشت من شهر و نص،شاء القدر انو عيلتي يلي عايشة ببعلبك و المؤلفة من أمي و بيي و اخواتي أصيبو بكورونا،و نفس القدر شاء اني كون حامل بالشهر الثامن،و لم أصب معن لاني عايشة ببيروت…موجة شرسة ضربت البيت،و الاصابة جايي عبر أحد أفراد الاسرة الكبار أو الزغار صعب كتير نقدر نحدد رغم انو الكل كان اخد اجراءات وقائية،غلطة وحدة كلفتنا كتير..بس الاكيد انو اللي سرع بانتشار هالموجة بالبيت كان الأطفال،وعالاغلب هني اللي سرعو بالنقل ،13 فرد من أسرتي ما بين طفل و كبير ،أصيبو بكورونا دون استثناء..وللمرة الأولى بتمنى لو أصبت معهم لاقدر شاركهم هالوجع..بس للأسف التواصل كان عالتلفون فقط؛
بلشو يتساقطو متل أوراق الخريف،واحد ورا التاني،سعلة و اسهال و استفراغ،روايا مضروبة ،حرارة،اوجاع..يقوم فرد يوقع التاني و أنا مجرد كومبارس..من بعيد ..انتبهي انتي حامل ما فيكي تطلعي..انتبهي انتي حامل ما فيكي تشوفيهن من بعيد..و هيك…واحد ورا التاني لبلشت الاعراض عبابا..الرجل الطيب..مهندس كهربا..عمرو 78 ..كان اخد كامل احتياطاتو..قد ما حكيت عن قلبو و حنيتو و قد ما خبرتكن عن همتو القوية بكون قليل..كان كل يوم يلعب مع الزغار…لحتى الاعراض بلشت مع بابا حرارة و سعلة..و بس..خلال اسبوع الكورونا تمكنت من رواياه و هوي بالبيت و نحنا مفكرين الاعراض رح تقطع بالعلاج و الدوا وحدو ،و لكن الكورونا انتشرت متل الهشيم و استدعى دخولو مستشفى،رغم انو بابا ما بيعاني من أمراض مزمنة و كل حياتو عايش نظام صحي واكل صحي و أعشاب..تعب بابا..
و بلشو 28 يوم من الوجع..ماما تتعب..اختي..خيي..بالدور..و بابا صحتو عم تتدهو،الكل عم بيموت عالبطيء..و كورونا عم تنهش بالكل..رحلتنا بلشت مع البلازما و البحث الصعب..من أرقام اشخاص منتشرة عالفايسبوك من اول يوم..لناس ما اكتسبت المناعة..لناس ما بتقدر تتبرع…لناس ما قبلت تتبرع ..وهيك لأمننا بلازما بمرحلة متقدمة من الاصابة ومتأخرة..رجعنا للبحث عن ابر الريمدسفير…لابر الاكتيمرا…كان بابا هون كل يوم صبح و مسا في حدا عم بيموت حدو بغرفة العناية..و معنوياتو عم تتدهور..سندو كان صهري يلي بيشتغل بالعناية..و عمل جهدو بشتى الطرق يقويه،يداويه…بس ما تجاوب..و نقلوه من الاوكسيجين العادي للتيوب بالتم intubation،يللي بلش يعملو فطريات وجروح بالتم رهيبة..كل العلاجات جربناها..بلشنا نسأل حكما حول العالم،بفرنسا بالشارقة بلبنان بايران بطرابلس وين ما كان بدنا بصيص أمل..بس الأمل كل يوم عم يتراجع..و ما بايدنا الا الدعاء والصلاة
يومياتنا كانت عبارة عن ارقام..Cpap, درجة الاوكسيجين دقات القلب..الضغط..و هيك حاولنا ننقلو من بعلبك عبيروت،الموضوع شبه مستحيل كان،بسبب حالتو،و ما في أماكن بالمستشفيات ببيروت ..الضغط النفسي كان صعب،العيلة طالعة من كورونا و مرهقة،بدا تفتش عدوا للبابا و الادوية شبه مقطوعة..الطاقم الطبي بالعناية بالمستشفى الحكومي مرهق..ضغط مش طبيعي..أسرة مليانة….
بهيدا الوقت كان في شي بيوجع أكتر من كورونا عم يتعرضولو أهلي و عيلتي…الكورونا بتوجع صح،بس نظرة المجتمع..التهميش،الاحكام الاجتماعية بتقتل عالبطيء و بتوجع اكتر بيصير الكل ينظر للعيلة على انها جرثومة..الجار بيبطل جار،البعض خاف ينتقلن الوباء عبر التلفون يمكن،البعض همشن،البعض ما فكر يدق عالباب يحطلن شي قدام الباب و يفل..كانو مع بعضن بس !كأنو كورونا عيب! وأكيد البعض من الاقرباء كانو نعم السند ..بس اغلب الناس بتصدم و بتخلي الساحة بتفضل تتجنب…
بعد فترة خلص الكل بالبيت كورونا..و بابا ما طلع كورونا من جسمو..أبدا متربص عكل شريان بالرئة..و مرق شهر و حالو عم يتدهور…
قررت اطلع انا وزوجي ،لازم شوفن..اطمن..ما فيي ضل بعيدة عم اتفرج..المحنة صعبة..لازم اوقف حدن ..انا و عالطريق طالعة عالبقاع..بابا بيتوفى..
شهرين قطعو..مش شايفة بيي فيهن..شهرين مش شايفة امي فيهن..مش شايفة اخواتي..و لما طلعت..طلعت ليكون دفن بيي و بدون ما كون متوقعة..
خلصت الحكاية..بابا توفى خلص ما عاد بدنا بلازما..ما عاد بدنا ابر..مش بحاجة لتجار السوق السودا يلعبو باعصابنا و باسعار الابر..ماعاش رح ننطر بابا يبعتلنا صورتو الصبح..ولا صهري يطمنا عنو…مجزرة يلي صارت..اشتراكات بجسمو وقفت القلب..الروايا..الكلاوي..جلطة بالاجر و الاجر عملت تخثر و اسودت وتسممت و كانت تاني يوم لازم تنبتر..بس ما تحمل بابا ..توفى التيوب بتمو مع جروح و قروح دموية..مع اجر سودا..ما انبترت..
سخرية القدر بتبلش لما الانسان اللي كان كل حياتي سند الي..و مصدر قوة،صار هوي أذى الي..ممنوع ودعو من بعيد..ممنوع بوس جبينو ممنوع قرب ،غمرت جاكيت الو بد شما و ضما…اجاني وابل من المعقمات و انمنعت عنا!
..واكتر من هيك نهار الدفن،بيجي اتصال موافقة النقل عمستشفى ببيروت و تأمن كذا مكان…بس..الغالي راح..
بكيس أسود،الأب الحنون اندفن..وتولو شباب الهئية اجراءات الدفن..و انا ما شفت اكتر من حفرة فاضية بس..ودعت الحفرة و ما ودعت بيي..تراب قبرو لما لمستو بعد الدفن جبروني عقم ايديي..امي ما قدرت احضنا و خفف عن وجعا..ما قدرت قرب عحدا من اخواتي ..انا كمان كنت مجرد كيس اسود واقف من بعيد مذهول..مصدوم… عزا ما في..جنازة مافي…الحضور عالمجنة بينعد عالاصابع..صلاة عالجثمان من بعيد..و بس..!
لما بيموت الأب كل مفاهيم الدني ببتتغير بعيونكن..احساس بعمري ما حسيتو،مزيج من الخوف و القلق و الوجع..بيصير قلبك مكشوف..نسمة الهوا بتجرحو..الناس بتحكيك لسانك بيرد..بس قلبك بمكان تاني..قلبك صار تحت التراب لما نزلت شقفة منك..
يعني هيك ببساطة ما عاد نفتش عدوا؟ هيك ببساطة اندفن؟طب مش حتشيلوه من هيدا الكيس؟طب ببساطة ما عاد نشوفو ولايرجع؟
اليوم بعد 9 ايام من وفاة الوالد بقلك،
رح تبلش تندم عكل لحظة ما حضنتو فيها..عكل لحظة ما ضحكت معو فيها..هيدي القطعة منك دفنتا تحت التراب ..بكيس اسود ما قادر تغطيها..ولا تلمسا..قطعة منك بس ممنوع اللمس..
الكورونا مش لعبة..تهاونك بالكمامة للحظة..ممكن يكلفك حياة اغلى الناس..حبو بعض..حنو عبعض..خصوصا عأهلكن لان الفقد صعب..فقد الأهل يعني فقد فقرة من فقرات الظهر..مستحيل تلاقيلا بديل..العامود الفقري تبع حياتك رح ينكسر..انتبهو عليهم..هودي امانة..انتبهو عحالكم العمر قصير..مش لازم نخسر بعض بكورونا..كل المآسي و بعدني ببرم بشوف كتير ناس بلا كمامة..
كل شي بقيلي من بابا مجرد صور..صور حتى بجهاز تنفس..وفيديوهات لروايا مضروبة بكورونا..بالتهابات..بس اشتقلو،بفتحن لحس انو عم يتنفس..لاسمع صوت النفس..بس اشتقلو بفتح فويسات عم يقلي فيها رح يتحسن و رح يرجع..وصورة عم يطمني فيها انو بخير…كل شي بقيلي منو هوي فتافيت من ذكريات مؤلمة..
تجربتي مع كورونا مع اني لم أصب..بس صابتني بروحي..خسرتني اغلا الناس..وخسرت كتير عيل كمان ووجعتن
الرحمة لبابا و لكل اللي توفو بكورونا..بهل الحرب القاسية و انشالله منحسبن عند الرب شهداء و بالجنة..