العنف الأسري يتفشّى بـ’صمت’ | زيادة بنسبة 200 في المئة!
في ظل “الأزمات” المتلاحقة يغدو الالتفات إلى حقوق المرأة والاهتمام بشؤونها وتأمين الحماية لها من التعديات في أدنى سلّم الأولويات، على رغم أن حوادث العنف المنزلي، لا سيما ضد المرأة، سجّلت ارتفاعاً «مخيفاً» هذا العام. إذ بلغ عدد الشكاوى التي وردت إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على الخط الساخن المخصص للعنف الأسري، منذ بداية العام حتى تشرين الثاني 1184، أكثر من 60 في المئة منها عنف زوجي، وأكثر من 90 في المئة عنف جسدي. وهذا ما يشير إلى «التغيير الخطير في نوع العنف والتحول إلى العنف الجسدي الذي يتوجب التوجه إلى الضابطة العدلية»، وفق رئيسة منظمة «أبعاد» التي تعنى بحقوق المرأة غيدا عناني، لافتة إلى تسجيل حوادث العنف المنزلي تصاعداً هذا العام بنسبة 198 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
وعلى رغم انعكاس آثار الأزمة الاقتصادية على أولويات النساء والفتيات، اعتبرت واحدة من أصل اثنتين من النساء والفتيات أن حماية النساء يجب أن تكون من أبرز الأولويات في المرحلة الحالية، بحسب دراسة حديثة أجرتها شركة Statistics Lebanon Itd بتكليف من «أبعاد»، شملت 1800 امرأة وفتاة لبنانية وسورية وفلسطينية، تراوحت أعمارهن بين 18 و55 سنة من مختلف المناطق اللبنانية والمستويات الثقافية وفئات الدخل. وهذا يدل على «عدم شعور النساء بالأمان لعدة أسباب من بينها التهديدات المباشرة التي تطاولهن وما يرتكب بحقهن وخوفهن من الغد»، كما تقول عناني.
من بين النساء اللواتي شملتهن الدراسة أفادت 12.7 في المئة عن تعرضهن لنوع من أنواع العنف هذا العام، و9.8 في المئة عن تعرضهن للعنف المنزلي. ويعود ذلك، وفق عناني، إلى «الأزمات المركبة التي يمرّ بها لبنان خصوصاً الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تنعكس على الإحساس بالأمان وترفع منسوب التوتر وتزيد الضغوطات، وهي عوامل مفجّرة للعنف بخاصة لمن لديهم استعداد لاستخدامه كوسيلة للتواصل وإدارة النزاعات الأسرية»، إضافة إلى «الاضطرابات النفسية والإدمان على المخدرات والكحول». وترى عناني أن «الفكر الذكوري السائد في لبنان ووجود منظومة قانونية غير حمائية تميّز جندرياً وغياب ثقافة المساءلة كلها عوامل تعزز العنف».
يعدّ العنف الأسري مكلفاً جداً على المجتمعات وعلى مرتكبيه وضحاياه ومن يشهد عليه. فعلى الصعيد الصحي، «الفاتورة الصحية مرتفعة تشمل الرعاية الطبية والطب الشرعي والصحة النفسية المتأثرة بالعنف». وعلى الصعيد الاقتصادي، «يؤدي العنف إلى التغيّب عن العمل وتراجع الإنتاجية وعدم التركيز». أما على الصعيد الاجتماعي، «فيؤدي إلى تشويه صورة الذات وضرب الثقة بالنفس لكل من المعتدي والمعتدى عليه، ما يخلق تحديات ترتبط بالتواصل والحوار مع الآخرين».
ولا يمكن الحديث عن نتائج العنف الأسري من دون التوقف عند الآثار التي يخلفها على الأطفال الذين يشاهدون العنف ويتأثرون نفسياً وسلوكياً به، و«قد تنطبع في أذهانهم صورة المرتكب على أنه يقوم بالسلوك السليم لإدارة النزاعات الأسرية». تقول عناني لمن يمتنعن عن التبليغ عن تعرضهن للعنف بسبب خوفهن على مستقبل أطفالهن: «الانفصال أقل كلفة من مشاهدة الأطفال تعنيف أمهاتهم المتواصل، لذا اتخذن قراركن بالتبليغ وإعادة بناء الأسرة بعيداً من العنف».
ولا تزال النساء تتعرضن للعنف بصمت، فـ91.7 في المئة ممن تعرضن للعنف ضمن عينة الدراسة لم يبلّغن أحداً، وغالبية من بلغن لجأن إلى الأسرة. وأشارت 11.1 في المئة فقط أنهن في حال تعرضهن للعنف قد يتصلن بالخط الساخن لقوى الأمن الداخلي 1745.
وتتعدد أسباب امتناع ضحايا العنف عن التبليغ بين الخوف من التعرض للرفض من المجتمع (23.3 في المئة) أو العائلة (13.8 في المئة)، أو من رد فعل الجاني (14.3 في المئة). وهناك من يعتبرن الأمر ليس أولوية بسبب الوضع الحالي في البلد (11 في المئة)، وأخريات لا يثقن بإمكانية الوصول إلى نتيجة (27.1 في المئة) أو التعامل مع الأمر بجدية من قبل المعنيين (22.4 في المئة). ويبقى من لا يبلغن بسبب نقص المعرفة حول الجهات التي يمكنها المساعدة (12.4 في المئة)، إذ إن 17.7 في المئة فقط سمعن بالخط الساخن لقوى الأمن الداخلي، وعن معاقبة القانون اللبناني لمرتكبي العنف الأسري، فإن 43.6 في المئة اعتبرن أنه لا يعاقب مقابل 4.6 في المئة أجبن بـ «لا أعرف»، و51.9 في المئة قلن إنهن لا يعلمن أن لمنظمات حقوق الإنسان مراكز إيواء آمنة وخطوطاً ساخنة لمساعدة ضحايا العنف في حالات الطوارئ.
المصدر : جريدة الأخبار