الموت بلدغة عقرب أو بعضّة كلب | فقدان الأدوية والترياق!
قبل “أيام”، كادت الطفلة ماريتا، ابنة السنوات الخمس، تذهب ضحية… عضّة كلب، بسبب فقدان لقاح داء الكَلَب. ساعات طويلة بحثت خلالها العائلة «بالسراج والفتيلة» عن اللقاح، إلى أن «ابتسم لها الحظّ» ونجحت في الحصول عليه بمساعدة أقارب من مناطق بعيدة قبل أن يتمكّن الداء منها. قبلها، فارقت زهراء طليس، ابنة السنوات التسع، الحياة بسبب لدغة عقرب، بعد تعذر تأمين الترياق المضاد للسم الذي تسرب إلى جسدها.
لن تكون قصة ماريتا وزهراء الأخيرة على ما يبدو. ليس بسبب وجود العقارب، فهذه موجودة منذ بدء الخليقة، ولا بسبب فلتان الكلاب المسعورة في الشوارع، وإنما – كالعادة – بسبب فلتان مصرف مركزي يمتنع عن صرف الأموال اللازمة لاستيراد الأدوية، ومنها لقاحات «بديهية» بات الحصول عليها ترفاً، تقاعس المصرف المركزي عن دفع فواتير الأدوية المدعومة أصبح يطال بانعكاساته أبسط الخدمات الطبية وأكثرها حاجة، كالأدوية المضادة لداء الكلب، خصوصاً في هذه الفترة التي تشهد انتشار الكلاب الشاردة والمسعورة. وبحسب آخر الإحصاءات الذي يعود إلى عام 2019، بلغ متوسط الحالات التي تعرضت لـ«عضّات» حيوانات حوالي 1782، وتؤكد مصادر في وزارة الصحة ارتفاع هذه الأرقام مع استفحال ظاهرة الكلاب الشاردة ووجود كميات قليلة من الأدوية المضادة للكلَب.
ولئن كانت مصادر وزارة الصحة تطمئن إلى أنه حتى اللحظة، لم تسجل أيّة حالة وفاة هذه السنة بسبب «عضّة كلب»، إلا أنه لا يمكن الركون إلى الحظ وحده في ظل ما تواجهه آلية استيراد تلك الأدوية من عقبات. فقد درجت العادة على أن تستورد الوزارة مباشرة الأدوية المضادّة لداء الكلب عبر استدراج عروض، إلا «أن هذا الأمر واجهته هذا العام المشكلة المتعلقة بالدعم من مصرف لبنان». ولفتت المصادر إلى أن نحو 5000 جرعة من الأدوية المضادة للكلَب تلبّي 70% من الحاجات حتى نهاية السنة، ستصل إلى لبنان بشكل سريع اليوم عبر مطار بيروت. وتفادياً للأزمات اللاحقة، تلفت المصادر إلى أن الوزارة تبحث في اعتماد آلية جديدة، تقضي بأن توزَّع هذه الأدوية على المستشفيات والصيدليات على حدّ سواء، على عكس الآلية الحالية التي تحصر توزيعها بالمراكز والمستشفيات الحكومية المعتمدة لمكافحة داء الكلب.
وكانت الوزارة قد عملت منذ فترة على تأمين كمية ضئيلة من هذه الأدوية من سوريا، فضلاً عن كمية لقاحات قدّمتها قوات اليونيفيل.
بحسب آخر إحصاء يعود إلى 2019، فإن 1782 شخصاً تعرضوا لـ«عضّات» حيوانات
وتعتبر صناعة مثل هذه الأدوية في لبنان مكلفة جداً، وإن كان لا يمكن الاستغناء عنها. وفي ظل النقص الحاد في الكميات، كشفت المصادر أن «مصرف لبنان وافق على الدعم الطارئ لهذه الأدوية بعد جهود بذلها وزير الصحة».
رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة، الدكتورة عاتكة برّي، أوضحت لـ«الأخبار» أن المصلحة «تقوم بتدريب الأطباء والممرضين في مراكز مكافحة داء الكلب على كيفية التعامل مع من يتعرضون لخدش أو عقر من الحيوانات، كما تقوم بإرشاد الطاقمين الطبي والتمريضي في المستشفيات الخاصة إلى الخطوات الواجب اتخاذها في تعاطيهم مع هذه الحالات». أهمية هذه الدورات تكمن في سرعة إنقاذ المصابين، خصوصاً أن «داء الكلب قاتل بنسبة 100% إذا كان الحيوان مسعوراً ولم تؤمَّن الأمصال واللقاحات للشخص المعقور بسرعة، والوفاة مرتبطة بفترة حضانة المرض التي قد تراوح بين أيام وأشهر». وأوضحت بري أنه إذا كان الجرح الناتج عن العضة عميقاً أو قريباً من الرأس، يُعطى الشخص المعقور مصلاً مضاداً لداء الكلب ثم لقاحاً، كون فعالية المصل أسرع من اللقاحات التي تحتاج بالعادة إلى حوالى 10 أيام لتصبح فعّالة. أما إذا كانت العضة بعيدة من الرأس وغير عميقة، فيُعطى المصاب لقاحاً ضد داء الكلب فقط، مع ضرورة تطهير الجرح فور التعرض لأي خدش أو عضة، قبل التوجّه إلى المستشفى.
المصدر : جريدة الأخبار