‘النهار’ | حَلمَ عون بالرئاسة ونالها… ويحلم بها اليوم لباسيل
في السنوات الخمس الأولى من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، اختلفت كثيراً التقويمات التي أُجريت لشخصيته وتصرّفاته ومواقفه، ولصحّته في الوقت نفسه، إذ أكد كثيرون أنّ صحّته ليست في خير، وأنّه يتعرّض بين حين وآخر لأزمات تستدعي خلوده الى الراحة وأحياناً لجوءه الى الأطبّاء سواء في قصر بعبدا أو في أحد المستشفيات المهمّة في العاصمة. وأكد آخرون أنه فوّض الكثير من صلاحياته عملياً لا رسمياً الى صهره رئيس “التيّار الوطني الحرّ” الذي أسّسه، النائب #جبران باسيل. وقد اقتنع كثيرون من اللبنانيين بهذا الأمر الى درجة جعلتهم يعتبرون الأخير رئيس الظلّ وصاحب غالبية المواقف والقرارات الرئاسية التي أجّجت الصراع المسيحي – المسيحي في البلاد، وحاولت إعادة تأجيج صراع شيعي – شيعي أنهته سوريا وإيران من زمان، والتزم “حزب الله” منع عودته بالقوّة إذا احتاج الى ذلك. كما دفعت في اتجاه تحويل الصراع السنّي – الشيعي المُزمن فتنة مدمّرة لطائفتين ومعهما للبنان.
طبعاً نفى باسيل ذلك جملةً وتفصيلاً، لكنّه لم يكن مقنعاً لأن التطابق بين تفكيره وتفكير الرئيس عون كان كبيراً جداً، ولأن الثقة التي نمت بينهما قبل “تفاهم مار مخايل” مع “حزب الله” وقبل انتخاب عون رئيساً، كانت مطلقة والمحبّة غير طبيعية. إلا أن معلومات جدّية تسرّبت من حلفاء الاثنين ومن محبّين وأصدقاء في السنوات الخمس التي انقضت من الولاية أكدت أن عون الرئيس لم يختلف يوماً عن عون قائد الجيش، ثمّ رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية عام 1988 العنيد والمتمرّد، ثمّ المنفيّ في باريس والعائد منها الى بلاده عام 2005، وأخيراً العضو في مجلس النوّاب فالرئيس للجمهورية اللبنانية. طبعاً ظروفه الصحّية بحكم العمر وحاجته المتكرّرة الى الراحة بسببها والعلاج غشّت أخصامه وأعداءه وحتى محبّين له فجعلتهم يظنّون أن قدراته بدأت بالتراجع، وأنّ باسيل تولّى تعويضها أحياناً بتكتّم وأحياناً أخرى بمواقف وقرارات أكّدت مونته على الرئاسة. لكنّه، أي عون الرئيس، بدأ مع سنته السادسة والأخيرة في بعبدا يتكلّم أكثر ويصرّح أكثر ويعطي مواقف جدّية وصلبة، فدفع بذلك المشكّكين في عون وباسيل رئيس الظلّ ليخفّفوا شكوكهم ويحتفظوا ببعضها.
لعل المقابلة الصحفية التي أجراها معه أخيراً زميلنا في “الأخبار” نقولا ناصيف أكّدت للجميع أنه لا يزال صافي الذهن ومتوقّداً ومتمسّكاً بمواقفه وبكلمته، وأنه لم يختلف كثيراً عن عون المراحل الماضية أي قبل الرئاسة، إذ قال “سنضع الحلّ على سكّته هذه السنة”، وإن علاقته مع “حزب الله” هي “تفاهم لا تحالف”، وإنه “لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الاقتراع في 27 آذار المقبل، وإن موعد الانتخابات الذي يوافق عليه هو إمّا 8 أو 15 أيّار المقبل أي قبل أسبوع تقريباً من انتهاء ولاية مجلس النواب، وأن لا تمديد لهذا المجلس”. وقال أيضاً: “لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي! لن يكون بعد الآن رئيس لا يمثّل أحداً ولا نفسه…، إذا وصلنا الى نهاية الولاية فسأترك بعبدا حتماً لرئيس يخلفني. أخشى تعذّر انتخاب خلف لي وساعتها تتولّى حكومة فاعلة أو مستقيلة ومصرّفة للأعمال ممارسة بعض صلاحيات الرئاسة لحين انتخاب آخر. ثمّة من يريد الفراغ. أنا لن أسلّم الفراغ. والكلمة تكون عندها لمجلس النوّاب. هل يُعقل أن لا يكون هناك مجلس نوّاب ولا يبقى أحد؟”.
الى ماذا يشير كلّ هذا الكلام الجدّي والخطير في آن واحد؟ يشير في رأي متابعين جدّيين لمسيرة الرئيس عون منذ بدايتها حتى الآن الى استمرار تمسّكه بضرورة خلافة باسيل له في رئاسة الجمهورية، والى إلحاحه على حليفه “حزب الله” كي يلتزم أمامه ومعه منذ الآن بانتخاب المذكور أي صهره، رئيساً يخلفه. ويشير أيضاً الى أنه أوصل الى “الحزب” مباشرةً أو مداورةً ما مفاده: “إمّا إقناع الرئيس نبيه برّي الذي رفض انتخاب عون رئيساً عام 2016 بباسيل، أو إجباره على ذلك أو أن تفرضوا عليه”. لكن هذا الموقف لا يقبله “حزب الله” ولم يقبله. ربّما لم يُبلغ “الحزب” عون موقفه بهذه الصراحة الفجّة بل قال له إن الوقت لا يزال مبكراً أمام قرارات من هذا النوع. لكنّه عملياً ليس في وارد “إقناع” حليفه برّي بهذا الأمر أو إجباره على قبوله. فـ”الثنائية الشيعية” التي تجمعه به وبـ”حركة أمل” التي يترأس منذ تغييب الإمام السيد موسى الصدر استمرارها قويّة ومتينة وثابتة في مصلحة عضويها كما في مصلحة الطائفة الشيعية ووحدتها وفي مصلحة لبنان في رأيهما. لماذا اتخذ الرئيس عون الموقف المشروح أعلاه إنْ صدق متابعو مسيرته منذ بدايتها وهم عادة لا يخطئون؟ يجيب هؤلاء أن العماد ميشال عون “حَلَمَ” بالرئاسة وفعل المستحيل من أجل الفوز بها وفاز. فلماذا لا يحلم اليوم بإيصال أقرب شخص إليه أي النائب باسيل الى رئاسة الجمهورية؟ وهل الحلم ممنوع؟ ويضيفون أن الاستحقاق الرئاسي في السنة الأخيرة لرئاسة عون سيكون ضاغطاً على الجميع في الداخل وسيكون على الأرجح مصدر توتر وخربطات بين عون والشيعة أو بالأحرى الثنائية الشيعية وعمودها الفقري “حزب الله” حتى انتهاء عهده الرئاسي والسبب الرئيسي لذلك هو غياب الحلول.