الواقع المرّ يجرّ اللبنانيين نحو الهاوية | أرقام مخيفة تدقّ ناقوس الخطر
سُدّت الآفاق تماماً أمام عدد كبير من اللبنانيين مع تفاقم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية منذ 2019. اللافت هنا، هو الرقم القياسي الذي سجّله لبنان مع انتهاء العام 2023 لحالات الإنتحار، في تطوّر يدق ناقوس الخطر بشدّة على واقع بات غير محمول، أرقامه مرعبة بكل ما للكلمة من معنى.
أرقام وأسباب
الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أكد أن عدد حالات الانتحار في لبنان بلغ 170 حالة في العام 2023 بالمقارنة مع 138 حالة في 2022، أي بارتفاع بنسبة 23% عن العام المنصرم.
وفي حين اعتبر شمس الدين خلال حديث لـ”لبنان 24″ أن هذا الإرتفاع لافت بالفعل، كشف أنه تبعاً للأشهر، سجّل شهر تموز النسبة الأكبر من حيث عدد حالات الإنتحار ووصل إلى 18 حالة انتحار، بينما سجلّ شهر آذار 17 حالة.
وعن الأسباب التي أوصلت إلى هذه الأرقام بحسب الإحصاءات، عزا الباحث في “الدولية للمعلومات” هذا الإرتفاع في المرتبة الأولى إلى أنه في بداية الأزمة، كان لدى المواطنين ما تبقّى من مدخرات وما يسمح لهم بالصمود والمواجهة.
أضاف: “أما اليوم، وبعد مرور 4 سنوات على الأزمة، فقد عدد كبير من المواطنين مقومات الصمود والقدرة على الاستمرار بالحياة الحرة والكريمة”.
وقال شمس الدين إن استمرار الحجز على ودائع الناس في المصارف هو سبب مهم من الأسباب التي أوصلت بالكثيرين إلى الشعور باليأس الكبير، علاوة على العوامل الأخرى التي قد تؤدي بالمرء إلى التفكير بوضع حدّ لحياته على غرار المشاكل الشخصية، العاطفية والنفسية وغيرها.
واللافت بحسب شمس الدين، هو أنه في العام 2015 كان عدد حالات الإنتحار 138 حالة، أما في 2016 فانخفض العدد إلى 128 حالة، ليعود ويرتفع إلى 134 حالة مع نهاية العام 2017، أما في 2018 فبلغ 157 حالة، فيما سجل العام 2019 إنهاء 170 شخصاً حياتهم، لينتهي العام 2020 مع 150 حالة إنتحار، أما 145 شخصاً أنهوا حياتهم في العام 2021، وصولاً إلى تسجيل 138 حالة انتحار مع ختام العام 2022، ليكون الرقم الأعلى هو ما سجّله العام 2023 الذي يتعادل مع أرقام العام الذي انفجر فيه الوضع في 2019، أي 170 حالة.
ماذا يقول علم النفس؟
وبعيداً من الأرقام المكفهرّة، عوامل عدّة يرصدها علم النفس هي التي من الممكن أن تدفع بالإنسان إلى اتخاذ القرار النهائي بإنهاء حياته بيده.
من هنا، أشارت الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية كارول سعادة لـ”لبنان 24″ إلى أنه لا شكّ بأن الأزمة الإقتصادية والإجتماعية أثرت بشكل أو بآخر على الشريحة الأوسع من المواطنين، ما ولّد لديهم شعوراً دائماً بالقلق في ما يتعلق بعدم الشعور بالأمان ولا بالطمأنينة على المستقبل.
وأضافت أنه بالطبع، وعلى الرغم من سوء الأحوال على الجميع، لن يفكّر كل الناس بالانتحار، لأن هذا الأمر مردّه إلى تركيبة الشخصية.
فمن يميل إلى الإنتحار بحسب سعادة، تميل شخصيته إلى تلك الأكثر عرضة للإكتئاب والقلق المرضيّ، فضلاً عن العامل الوراثي الذي يلعب دوراً أساسياً بتركيبة الشخصية، بالإضافة إلى وجود اضطرابات قديمة عند الفرد مثل الوسواس القهري، اضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder، الشخصية الحدّية Borderline Personality Disorder، أو الاكتئاب المزمن.
إلا أن علم النفس لا يهتمّ فقط بالعوامل الشخصية للفرد حينما يتعلّق الأمر بالإنتحار، إنما يعير أيضاً اهتماماً واسعاً لكل ما يتعلق بالعوامل الخارجية التي من المفترض أن تحمي الشخص. من هنا نتحدث عن العائلة، والمحيط ومدى الدعم الذي يتلقاه المرء في حال حصول مشاكل معه ليتضّح المسار الذي سيتخذه، إما باتجاه الإكتئاب الشديد والإنتحار، وإمّا أن يتمكن من تخطي المرحلة الصعبة التي يمرّ بها ليعود ويتأقلم مع الوضع العام بعيداً من الأفكار الإنتحارية، بحسب سعادة.
وختمت حديثها بالإشارة إلى أهمية التركيز على المرونة النفسية التي تسمح للإنسان بالتأقلم مع التغييرات والظروف المتقلّبة المحيطة به، وأن يطوّر من قدراته قدر الإمكان من الناحية النفسية بحسب ما يمتلك من آليات دفاعية.
في دولة مشلولة، يمرّ الجميع بفترات أقل ما يقال فيها إنها مريرة. إلا أن المواجهة تبقى دوماً الحلّ الأنسب، على الرغم من صعوبتها أحياناً كثيرة. لذا يبقى طلب المساعدة ضرورياً في جميع الحالات للإبتعاد عن الأفكار الإنتحارية، فافتحوا قلوبكم وعقولكم، و”إيه في أمل”!
المصدر : زينة كرم – لبنان24