باسيل | زيارة سوريا ستتمّ في توقيتها.. والتسويات آتية!
كتب أحمد طه في موقع “الميادين.نت”: هي المرة الأولى التي أقابل فيها رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، في منزله في البياضة، من خارج العمل الصحافي والتغطيات الإعلامية. لم أكن أتوقّع أن أسمع منه كثيراً عن ملفات لبنان الساخنة، وما يدور في فلكها من أحداث وارتباطات إقليمية ودولية، ولاسيما أن هذا النوع من الجلسات، في مرّاته الأولى، يترافق عادةً مع كثيرٍ من البروتوكولات والحواجز الرسمية، وتحديداً مع رجلٍ يقول عنه كُثُر إنه طاووسيٌّ في استقبالاته. فكانت جلسةً على عكس التوقعات، سادها حديثٌ من دون كفوف، ومزاح يكشف النقاب عن وجهٍ لم يتسنَّ لي رؤيته في أيِّ من إطلالاته التلفزيونية.
هو ذا الرجل الذي “زلقتُ” باسمه مرة على الهواء في برنامجي السابق في قناة “المنار”، يومَ قلتُ جبران باسيل بدلاً من جبران خليل جبران، لأُتبع التصحيح بالقول إنه لم يتبقَّ سوى قصائد جبران خليل جبران لم نتَّهم بها بعدُ جبران باسيل. هُوَ ذا الذي لا يختلف عاقلان على تعرُّضه لأشنع عملية ضرب بالهراوات الإعلامية، ووصل الأمر إلى حدّ الاغتيال المعنوي مع اندلاع أحداث السابع عشر من تشرين الأول.
هو، بالنسبة إلى كثيرين من متابعي أغلبية القنوات اللبنانية، رجل يسمسر بلبنان؛ سرق ميزانيته؛ حرمه من الكهرباء؛ سجّل البترون باسمه؛ اشترى طائرة خاصة – بمال الشعب طبعا -؛ تملّك شركة كورال التي تمتلك 50 في المئة من سوق المحروقات؛ اشترى وباع بسلاح حليفه “حزب الله”؛ خرّب السلم الأهلي… وغيرها كثير! ولا أستبعد أن يصدّق البعض ذلك كله، بعد كل هذه الحملات السياسية والإعلامية عليه. طبعاً، ليس الهدف من هذا الحديث تقديمَ براءة ذمّةٍ للرجل، وليستْ مهمتي أن أكون وكيل دفاع عن أحد. لكن، أيُعقل أن 30 عاماً من الفساد والنهب والسرقة والمحاصصة تُرمى على جهة سياسية واحدة؟ وعلى رجلٍ واحد؟ ثم إن مُناصرين كثيرين ـ نِسبتهم كبيرة ـ لأحزابٍ سياسية متعددة، اختلفوا فيما بينهم على كثيرٍ من الملفات، وبالصدفة اتفقوا على أن جبران باسيل هو مصيبة المصائب التي وقعت على لبنان؟
اليوم، بعد سنتين من الحرب عليه، يجلس الرجل مرتاحاً. حتى في حديثه، يُشعرك كأنه يدرك أن انتصاراً ما سيسجّله على من حاربوه، من دون أن يبدو منفصلاً عن الواقع، فهو بدأ حديثه بالأزمة التي يمر فيها لبنان واللبنانيون، وتخوّفه من ألاّ يكون ما نشهده اليوم هو ذروة الأزمة، وما قد ينتج منها من تهجيرٍ إضافيٍّ للبنانيين، ولاسيما المسيحيون الذين يعتبرون لبنان مكانهم الوحيد في الشرق. وهنا يعرّج باسيل على احتمال وجود مخططٍ لإقصاء الدور المسيحي في المنطقة، وليس في لبنان فحسب، لكنه يعود ليتحدث مطمئنّاً بسبب وجود أطراف في لبنان تشكّل ضمانة للمسيحيين، ولاسيما حزب الله، فهو لا يُخفي في خطاباته دورَ الحزب في المحافظة على الوجود المسيحي في لبنان وسوريا والعراق. وعلى الرغم من ذلك، فإن رئيس التيار الوطني الحر يأسف لوجود تباينات بين التيار وحزب الله في عدد من الملفات الداخلية، وآخرها قضية انفجار مرفأ بيروت، والتي تخطّت مسألة المحقق العدلي طارق البيطار ووصلت إلى حدّ تعطيل عمل الحكومة، قائلاً إنه لا يوافق الحزب في تعطيل انعقاد الجلسات الحكومية في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، معتبراً أن استمرار التعطيل يتحمّل مسؤولية ما قد يصل إليه الوضع الاقتصادي.
إلا أن الأزمة مع حزب الله فيما خص القاضي البيطار يبدو كأنها وصلت إلى حائط مسدود، إذ إن باسيل بدا غير متفهم لتصعيد الحزب، مشدداً، في الوقت عينه، على وجود أخطاء يرتكبها القاضي طارق البيطار، ولاسيما أن المعطيات حتى اللحظة تشير فقط إلى تركيز القاضي في تحقيقاته على الإهمال الوظيفي، لكن باسيل يفضّل انتظار القرار الظني من أجل حسم الموقف بشأن عمل البيطار من دون أن يستدعي ذلك بالنسبة إليه “قَبْعَه” بالقانون.
وعن تفاهم مار مخايل، قال رئيس التيار إن هذا الاتفاق جاء من أجل مُهِمات واضحة، متعلقة بكسر الحواجز التي أرستها الحرب الأهلية، بالإضافة إلى العمل على بناء الدولة، ولن يسقط هذا التحالف إلاّ في حال انتفاء أسباب وجوده. وعند تكرار السؤال عن احتمال فك التحالف بين التيار والحزب، شدّد باسيل على أن عدم طعن الحزب في ظهره لم ولن يحتاج يوماً إلى وثيقة تفاهم، لأننا لا نغدر بأحد. أمّا بالنسبة إلى الملفات الداخلية، “فما حدا بيعرف شو بصير”.
وعن الانتخابات النيابية المقبلة، أكد جبران باسيل أن الانتخابات ستقام في موعدها الدستوري، وأن لا شيء يمكن أن يُلغيها أو يؤجّلها، إلاّ حدث أمني كبير. ووفق باسيل، فإن المزاج الشعبي لا يبدو واضحاً، متسائلاً: “هل الذين يقدّمون أنفسهم اليوم على أنهم بديل عن الأحزاب (مجد بطرس حرب وميشال معوض وحزب الكتائب) هم الخيار الذي يبحث عنه الناس؟” وسأل باسيل عن مدى تأثير المال السياسي ـ والـ fundraising ـ والذي سيُدفع قبيل الانتخابات، في خيارات المواطنين الانتخابية؟
وحين سألته عن الانتخابات الرئاسية، رد باسيل قائلاً “إن الناس تعتقد أنني في هذه الأثناء أتناقش مع رئيس الجمهورية في هذا الموضوع. هم يعتقدون أنه الموضوع الوحيد الذي يشغل بالنا. أمّا الحقيقة فهي أنني لا أنا ولا الرئيس ميشال عون نتحدث في هذا الأمر، كما أننا لم نفعل ذلك سابقاً”، مشدداً على أنه “مش وقت الحديث فيها الآن”.
وليس بعيداً عن هذا الأمر، سألت الوزير باسيل عن عزمه زيارة سوريا، وهو الذي قرّر زيارتها قبل عامين في خطابه الشهير يوم 13 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، فعاد ليؤكد لي أن الزيارة ستتمّ في توقيتها الذي سيأتي بالفائدة على لبنان، مع إشارته إلى أن التوقيت مرتبط بخياراتٍ استراتيجية لا يفضّل الغوص فيها الآن.
وعن المشهدين الإقليمي والدولي بالنسبة إلى الوزير باسيل، فإنه يرى أن التسويات آتية لا محالة، وأن رفع السقوف ليس سوى تقوية مواقف الأطراف التي ستعود وتجلس إلى طاولة المفاوضات، عاجلاً أو آجلاً.
في الخلاصة، لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليّ ما أدلى به جبران باسيل، وهو نفسه الذي لا يمكن توقع مواقفه وخطواته. كثيرون راهنوا على أن تقضي أحداث السنتين الماضيتين على جبران باسيل، لكن رهانه هو مكان آخر، ولطالما كانت العِبْرة في الخواتيم.