بالأرقام… راتب اللبناني يُنفَق على البنزين وتقنين التنقل سيّد الموقف!
انتقل اللبنانيّون معيشيّاً من مستوى شحّ البنزين إلى مستوى أكثر تقدّماً يتجلّى بالعجز عن تعبئة هذه المادة الضروريّة لحياتنا العمليّة. ففي وقتٍ بات سعر البنزين مرتبطاً بسعر صرف الدولار، تغيّرت طبيعة معاناة الناس، ومعها كثيرٌ من نمط حياة اللبنانيين؛ فكيف تأثّرت حياة اللبنانيين وتنقّلاتهم في ظلّ غلاء أسعار البنزين؟ وكم هو نصيب البنزين من راتب اللبناني؟
إسمار (موظفة في القطاع الخاص) تذهب يومياً إلى عملها بسيّارتها ذات الأسطوانات الثماني (8 سيلندر) التي “تفوّلها” بـ 780 ألف ليرة من البنزين، وتحتاج إلى تعبئتها 4 مرات في الشهر – بالحدّ الأدنى – لتنقّلاتها العادية في داخل بيروت. لكنّها بسبب الأزمة، ولتوفير البنزين، قلّصت مشاويرها، وخصّصتها للعمل فقط، وأصبحت “تفويلاتها” محدودة بـ3، وبتكلفة مليونين ونصف المليون ليرة أو ما يقرب من ذلك، “أي ما يعادل راتبي”، تقول إسمار.
لكنّنا اليوم، ومع ارتفاع أسعار الوقود “قد ينفد منّي البنزين في الشهر المقبل لأنّ الراتب لا يكفي إلا للبنزين حصراً، وأستمرّ في العمل لكي أتقاضى ما يسمح لي بالذهاب إلى العمل”.
إزاء هذا الواقع، تسعى إسمار لأن تستبدل سيّارتها بسيّارة أصغر ذات 4 أسطوانات، وهدفها الاقتصاد في كميّة الوقود، و”هذا توجّه الكثيرين ممَّن أعرفهم، بأن يحافظوا على سيّارة مقبولة، وتكون اقتصادية في الوقت نفسه”.
وعن تأثير هذه الأزمة على نمط حياتها، تقول إسمار: “إنّ شحّ البنزين وارتفاع سعره أثّر على نمط حياتي ومشاويري الترفيهيّة، فأنا لم أعتد البقاء في المنزل أبداً”.
أصبحت الفتاة العاملة تتجنّب الذهاب إلى مناطق خارج بيروت خوفاً من نفاد البنزين، و”ليس لديّ الوقت كي أقف 5 ساعات في طابور البنزين على المحطة، ومعظم المحطات مقفلة”. كذلك، تتّفق إسمار مع أصحابها على المداورة في تولّي الإعداد للمشاوير وتأمين #سيارة النقل للمجموعة، لكن “الكزدرة انتهت ونسيناها”.
أمّا سامية، الموظفة في القطاع العام، فوضعها ليس أفضل من إسمار. “بتّ أحسب حساب أي مشوار بسبب غلاء أسعار البنزين والانتظار في الطابور، وأكرّس نصف يوم العطلة لكي أملأ السيارة بالوقود وفق السعر الرسميّ”، بحسب سامية.
ونظّمت الإدارة، حيث تعمل سامية، الدوام مداورة بين الحضور والعمل من بُعد. “لكن الكارثة مقبلة”، برأي سامية، و”قد يُصبح راتبي ثمن صفيحة بنزين أو صفيحتين، فراتبي يُنفق نصفه على البنزين بالرغم من اقتصادي في استهلاكه، وأهلي يسكنون في البقاع، وإن أردت رؤيتهم كل أسبوع، عليّ أن أدفع راتبي كلّه على البنزين”.
محرّك سيّارة سامية ذو 4 أسطوانات، ويحتاج لأن “تفوّلها” مرّة أو مرّتين حالياً طالما تتنقّل فقط في داخل بيروت للذهاب إلى عملها، وترى أنّ “شحّ البنزين وغلاء أسعاره دفعنا إلى اختصار جميع مشاويرنا والاكتفاء بالذهاب إلى العمل فقط. حتى الزيارات العائليّة ألغيت، وإن لم تُصحَّح أجور القطاع العام فسنكون فعلاً أمام كارثة، فأنا موضوعة تحت الإقامة الجبريّة في منزلي بسبب البنزين، وصرت أسمّي البيت حالياً بـ”سجن البنزين””.
أقلّ مصروف للبنزين في الشهر هو راتب بـ 2.500.000 ليرة
يشرح خبير ميكانيك السيارات، محمد شهاب، أنّ لكل سيّارة مصروفها الخاصّ من البنزين. وبين السيّارات ذات الأسطوانات الأربع، هناك ما يسير لمسافة 160 كلم/بالصفيحة، ومنها ما يسير لمسافة 240 كلم/بالصفيحة، وهناك سيّارات ذات محرّكات من 8 أسطوانات، وتستهلك وقوداً كسيّارة بستّ أسطوانات.
وعن الحدّ الأدنى لمصروف السيّارة من البنزين، يشرح شهاب “إذا كانت السيّارة تسير لـ240 كلم/بالصفيحة، فهي تستوعب 3 صفائح من البنزين. وإذا كان على صاحبها أن يسلك مسار طرابلس – بيروت للذهاب إلى عمله والعودة منه، فهو يحتاج يومياً إلى صفيحة بنزين، ما مجموعه حوالَي 1.200.000 ليرة لبنانية في الأسبوع؛ إذا ما احتسبنا سعر الصفيحة بـ200 ألف ليرة. أمّا إذا كانت مشاويره ضمن مدينة بيروت، فهو بحاجة إلى ما بين 600 ألف ليرة و800 ألف بالحدّ الأدنى، في الأسبوع”.
ويؤكّد شهاب أنّ السيّارة التي يفترض أن تسير لمسافة 240 كلم/بالصفيحة من المستحيل أن تصرف البنزين وفق هذا الأساس في لبنان، لأنّ الأوكتان في البنزين هنا يكاد لا يصل إلا إلى 82.
وبحسب شهاب، “أرقام الـ98 و95 أوكتان غير موجودة في لبنان حالياً، بينما كانت موجودة في فترة سابقة. لذلك فالكلام عن هذه التسميات غير صحيح، والبنزين الموجود حالياً في السوق كلّه متشابه”.
وإذا ما احتسبنا مبلغ الـ600 ألف ليرة أسبوعياً على مدى 4 أسابيع، يكون المجموع 2.400.000 ليرة في الشهر. فكيف للموظف الذي يتقاضى مليوني ليرة أن يعيش، إن لم نحتسب مصروف مَن يتقاضى أقلّ؟
المصدر : فرح نصور – النهار