بالصورة | رمزٌ للصحافيّين في غ\زّة | وائ\ل الدحد\وح… أيّوب العصر
حصيلة الصحافيّين الش\هداء منذ بدء العدوان، وصل إلى 110 إعلامياً. رقم مهول، ولكنّه لم يحرّك قادة الغرب وأصواتهم، والذين كانوا يشجبون ويندّدون عند كل حادث يطال حرية الرأي والتعبير والصحافة، فيما إسرائيل «تصطاد» صحافيّي فلسطين على مرأى من العالم الذي أصابه البكم
زوج شهيدة ووالد شه\يدين وشهيدة، وجدّ شهيد، يظهر على الهواء بعد دفن ابنه البكر حمزة! تحوّل مدير مكتب قناة «الجزيرة» في غزة وائل الدحدوح رمزاً للصحافيين الفلسطينيين الذين يتحدّون محاولات كسرهم ويصرّون على المقاومة والصمود وممارسة رسالتهم في كشف محرقة غزّة. منذ بداية العدوان على القطاع، فُجع الدحدوح باست\شهاد عائلته وأصدقائه وزملائه. وأوّل من أمس، ودّع نجله البكر حمزة (1996 ــــ2024) الذي است\شهد مع زميله مصطفى ثريا (2004ـــــ 2024)، فيما أصيب الصحافي حازم رجب إصابةً بالغة وفقاً للمعلومات المتداولة. قبّل «أبو حمزة» يد نجله اليمنى ومسحها بوجهه، بينما تنهمر دموعه على «روح الروح» كما وصف ابنه. وكان حمزة قد انضم إلى قناة «الجزيرة» منذ اندلاع العدوان في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لمساعدة والده بعد توسّع رقعة الحرب وإعلان المحطة القطرية عن حاجتها إلى صحافيين للتغطية. أما مصطفى ثريا، فمصوّر فيديو يتعاون مع «وكالة فرانس برس» منذ عام 2019، إلى جانب وسائل إعلام دولية، من بينها وكالتا «رويترز» و«أسوشيتد برس»، وقناة «الجزيرة».
وكان العدو قد استهدف حمزة وزميليه خلال عودتهم من تصوير آثار قصف أصاب منزلاً في مدينة رفح، فلقيَ اثنان مصرعهما. سبق استشهاد الدحدوح وثريا، ارتقاء مصوّر «وكالة السلطة الرابعة» الصحافي سالم أبو عجوة، بعد استهدافه في غارة جوية إسرائيلية في مدينة غزة. وأوردت وسائل إعلام فلسطينية أنّ الصحافي الفلسطيني هو حفيد الشيخ الراحل أحمد ياسين مؤسس حركة «حماس». وبذلك، تصبح حصيلة الصحافيين الش\هداء منذ بدء العدوان 110 وفقاً لما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة. رقم لم يحرّك قادة الغرب وأصواتهم، والذين كانوا يشجبون ويندّدون عند كل حادث يطال حرية الرأي والتعبير والصحافة، فيما إسرائيل «تصطاد» صحافيّي فلسطين على مرأى من العالم الذي أصابه البكم.
ورغم المحاولات الصهيونية الهادفة إلى محاصرة الصوت الخارج من غزة وتعتيم صورة الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق الأطفال والأبرياء، إلّا أنّ الصحافيين في غزة لا يزالون صامدين في وجه استكلاب العالم عليهم، مصرّين على البقاء في أرضهم، رغم الثمن الغالي الذي يدفعونه.
على الضفة نفسها، أعلنَ مراسل «التلفزيون العربي» القطري أحمد البطة عن استهداف منزله في خان يونس واستشهاد عائلته. كذلك، كشف مراسل قناة «العربية» محمد عوض عن استشهاد عائلته في قصف صاروخي استهدف المنزل الذي نزح إليه مع العائلة في جنوب قطاع غزة. منذ بداية العدوان، يتولّى عوض مهمة تغطية صورة الجرائم ونقلها، ورصد الأوضاع الإنسانية هناك.
«إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله وكن على يقين أنّ الله سيجزيك خيراً لما صبرت». كانت العبارة الأخيرة التي كتبها حمزة على صفحته على منصة x، واصفاً والده وائل بعبارات تدلّ على قوته وثباته. سبقت تلك التغريدة، معايدة حمزة لوالدته التي استشهدت بداية العدوان مع شقيقته وشقيقه، متوقفاً عند فقدانه لوالدته قائلاً: «لقد ماتت الأعياد يا أمي، وأنا هنا أعد الأيام متى سألتقي بك. فلم يعد للحياة طعم بدونك».
في هذا السياق، ليست المرة الأولى التي يفجع فيها وائل الدحدوح بعائلته. في بداية الحرب، استهدف العدو عائلة الصحافي الفلسطيني، فاستشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيده. ودّع عائلته وسرعان ما وقف أمام الكاميرا مباشرةً لمتابعة نقل جرائم العدو. وفي منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استهدف العدو المراسل وزميله المصور سامر أبو دقة (1978 ــــ 2023) أثناء تصويره ريبورتاجاً في محيط مدرسة فرحانة في خان يونس جنوب القطاع، ما أدّى إلى استشهاد المصور وإصابة الدحدوح في يده، ولا يزال حتى اليوم يتلقّى العلاج.
«إنه أيوب هذا العصر». هكذا صار لقب الدحدوح الذي يودّع كل مدّة أصدقاءه وعائلته بصبر وثبات وقناعة، قبل أن يخرج ويواصل عمله أمام الكاميرا، ليثبت أنه مقاوم استثنائي ينقل جرائم العدو التي يرتكبها بحق الصحافيين والمراسلين في غزة.
في رثاء ابنه البكر، كان «أبو حمزة» متماسكاً غاضباً وحزيناً. لا يعرف المرء من أين يأتي الصحافي بكل هذا الثبات والصبر، قائلاً «هذه طريق اخترناها طواعية وسقيناها بأغلى ما نملك، سقيناها بالدماء. حمزة لم يكن بضعاً مني، بل كان كلّي، حمزة كان روح الروح. نحن مشبعون بالإنسانية وهم مشبعون بالقتل. هذه دموع الإنسانية، دموع الكرم والشجاعة وليست دموع الخوف والاستكانة». كيف يهزم شعب فيه الدحدوح وأمثاله؟ بعد ساعات على دفن ابنه، وقف الصحافي مباشرة أمام الكاميرا، يغصّ بالحزن على ما أصابه، ويقدّم رسالته الإعلامية بكل عزم. يجد الناشطون على الصفحات الافتراضية أنفسهم عاجزين عن كتابة العبارات التي تواسي الصحافي. ماذا سيقولون له؟ وما هي العبارات التي قد تخفّف من مصابه؟
من جانبها، أدانت قناة «الجزيرة» إقدام العدو على استهداف الصحافيين في قطاع غزة، واصفةً الحادثة بأنها متعمّدة. واستنكرت «تصميم القوات الإسرائيلية على الاستمرار في هذه الاعتداءات الغاشمة ضدّ الصحافيين وعائلاتهم، بهدف ثنيهم عن أداء مهمتهم، وبما ينتهك مبادئ حرية الصحافة ويقوّض الحقّ في الحياة». رغم إدانتها للقتل، لا تزال الشبكة القطرية تتبنّى الازدواجية في سياستها عبر استضافة محللين ومسؤولين إسرائيليّين للوقوف على آرائهم حول العدوان على غزة، بينما العدو يواصل جرائمه ضد الصحافيين وتحديداً العاملين في «الجزيرة». في عام 2022، اغتال العدو الصحافية شيرين أبو عاقلة (1971 ــــ 2022) خلال تغطيتها لاقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين، ولا يزال يبطش بالصحافيين وسط صمت الجمعيات والمؤسسات الصحافية العالمية الخاضعة للسردية الإسرائيلية.
خلال جولته السياسية في المنطقة، تحوّل كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مادة للسخرية على صفحات السوشال ميديا. إذ قال رداً على سؤال خلال المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، «أشعر بالأسف الشديد على الخسارة التي لا يمكن تخيّلها. أنا أب وأتخيل الفظائع التي يواجهها زميلكم وائل الدحدوح. ليست مرة واحدة، بل مرّتان الآن هذه مأساة». كلام بلينكن تلقّفه روّاد السوشال ميديا واصفين إياه بـ«المنافق. كيف يمكن أن يتأسف المجرم وهو يدعم القتل؟». وكأنّ القاتل مجهول الهوية، بينما السلطات الأميركية تقف بجانب العدو الإسرائيلي بشتى أنواع الدعم السياسي والعسكري.
المصدر : زكية الديراني – الأخبار