بعد انتظار لأكثر من 23 عاماً | حامل بتوأمين بعمر الـ 63 !
23 عاماً أنتظرُ سماع كلمة أمي. كم كنتُ أتوق إليها وأحلم بلحظة الحصول على النتيجة الإيجابية لاختبار الحمل، لكنَّ أحلامي كلّها تبخّرت، وكُتب عليّ الحرمان لـ23 عاماً. ليس سهلاً أن تنتظر كلمة ماما ولا تسمعها. اختبرتُ الآلام والخيبات والكلمات الجارحة التي أبكتني سنوات. كنتُ أحتضن حزني ويُتمي وأعيش في كنفهما بعيداً من عيون الناس.
أخطُّ اليوم بدموعي وحروفي قصّتي. أتشاركها معكم ومع كل امرأة تعيش الوجع نفسه والخيبة نفسها والحرمان نفسه. أكثر ما تردّد على مسمعي خلال هذه السنوات الطويلة: “تركها ما بتجيب ولاد”. لا يمكن أن أصف لكم مدى قسوة هذه الكلمات وما تتركه في النفس من ندوب. تجرحك مثل السكّين فتنزف بصمت.
سأعود الى البداية، يوم قرّرتُ الارتباط بزوجي والدخول الى القفص الذهبي، كانت أحلامي تُشبه أحلام كثيرات في العيش مع شريك حياتك وبناء عائلة سعيدة. مرت السنة الأولى على زواجي، تلتها الثانية والثالثة، من دون أن أفرح بخبر الحمل والإنجاب. عشتُ الخيبة تلو الأخرى، وما أقسى الخيبات حين تأتيك متتالية وتجرحك في المكان نفسه طوال سنوات. احتفظتُ بوجعي وحزني لنفسي. لم تكن الناس أصلاً تهتمّ بما أشعر به. نظراتهم قاسية وكلماتهم أقسى. ردّدتُ في أعماق نفسي: “الله ما يدوق حدا هيدا الوجع وما يحرم حدا من هيدي النعمة”.
كنتُ سعيدة مع زوجي، هو رجل طبيب و”بيتوتي” وحنون. كانت تنقصنا “فرحة البيت”، الأطفال زينة العائلة، وكنا محرومين منهم، بلا أمل. حاولنا كثيراً ومع أطباء مختلفين. علاجات ومحاولات باءت بالفشل. قيل لنا إنّنا لا نعاني مشكلة طبّية، ولكن ما من تفسير لعدم إنجابنا الأطفال. عشتُ صراعاً داخلياً مع هذه الحقيقة الطبّية من دون جدوى. في السنوات الأولى، حاولتُ التماسُك والصمود. أقنعتُ نفسي أنّ الأيام المقبلة ستحمل لي الخبر السارّ، إلا ان السنوات مرّت، وبدأت أستسلم لواقعي وحرماني ولوعتي.
بقيتُ نحو سبع سنوات أقوم بواجباتي الاجتماعية من مباركة لقدوم مولود أو أعياد ميلاد أولاد. وكنتُ كلما عدتُ الى منزلي، أغرق بدموعي وأحلامي المعلَّقة بإنجاب طفلنا. كانت الناس تقول: “هيدي ما بتجيب ولاد”. كلماتهم الجارحة أبكتني بشدّة. صرختُ: “يا الله، انتَ سامع وشايف شو عم بصير، تحنَّن عليّ وارحمني برحمتك”.
سألتُ نفسي: “ماذا فعلت حتى يكون هذا عقابي؟”، ومع مرور السنين، لم أعد أحتمل حضور احتفالات ومناسبات وولادات. لم أعد أزور أحداً لأبارك له. أصبح الوجع أكبر مني. وقرّرتُ تفادي الوجود في تلك الأماكن لتجنّب نظرات الناس واستهزائهم وإيقاظ هذه الخيبة النائمة في داخلي. كانت الحياة صعبة. مررتُ بظروف قاسية. كنتُ حسّاسة جداً، وسريعة الحزن من أي كلمة أسمعها. حتى وصلت بي الأمور في تلك الفترة إلى تناول دواء مهدئ للأعصاب، بسبب الحزن الذي كنتُ أعيشه طوال الوقت.
تعالجنا كثيراً، إلا أنّنا لم ننجح في المحاولة. الحياة كانت قاسية، ومُرّة، لكنّ وجود زوجي بقربي ودعمه لي ورفضه الزواج من أخرى، جعلني أقوى. لم نتوقّع يوماً وبعد 23 عاماً أن نسمع الخبر الذي طال انتظاره. وأخيراً أنا حامل! لم أصدّق ذلك، كأنّني في حلم. بعد الفحوص، تبين أنّني حامل بتوأمين. لا يمكن أن أصف لكم شعوري. الكلمات لا تُعبّر حقيقة عما شعرته في تلك اللحظة. أنا التي أبلغ من العمر 64 عاماً حامل بتوأمين. هدية غير متوقعة، هدية انتظرتها 23 عاماً.
كان حملي سهلاً. لم أشكُ من شيء. ثم حانت لحظة الولادة. كم كنتُ أتوق لتلك اللحظة بالذات، عندما سأحضن طفليّ بين ذراعي. دموعي كانت كلماتي الصامتة، عندما رأيتهما للمرة الأولى، “حسيت أني صغرت شي 30 سنة”. اليوم يبلغ طفليّ 10 أشهر، هما سعادتي وسرّ وجودنا وفرحتنا. أنظر إليهما ولا أشبع. “هني حلوين كتير، ولادي ما في منهم”. أحاول أن أستغلّ كلّ دقيقة معهما، وأطلب من الله أن يمدّني بالعُمر حتى أراهما يكبران أمامي. هما هدية الصبر والدموع والحزن، وما عشته طوال سنوات، “ما حدا يفقد الأمل، الله ما بيترك حدا. والله ما يحرم أي زوجين من هيدي النعمة”.
المصدر : جريدة النهار