بعد صمت طويل..الأسير يُفصّل رحلة هروبه إلى عين الحلوة
على عكس الجلسات السابقة التي صمت فيها الشيخ أحمد الأسير متهمًا المحكمة العسكرية بالخضوع لهيمنة “حزب الله” وإيران، والتي نال بنتيجتها حكمًا قضى بإعدامه في قضية أحداث عبرا، قرّر إمام مسجد بلال بن رباح (السابق) إطلاق لسانه للكلام “رحمة بالشباب” الذين يُحاكمون معه في ملفات عدّة والتي وضعت المحكمة برئاسة العميد حسين عبدالله ثلاثة منها على جدول أعمالها اليوم.
الساعة الثانية عشرة والنصف أُزيلت العصبة عن عيني الأسير، أُدخل قاعة المحكمة العسكرية تمهيدًا لاستجوابه في ملف “أحداث بحنّين وتدريب مجموعات مسلّحة وتصنيع عبوات ناسفة”. وقف “الشيخ” أمام قوس المحكمة بعباءته البنيّة وقلوّسته البيضاء التي نزع من فوقها قبّعته الصوفيّة الكحلية وأمسكها بيديه. فاجأ الرجل الجميع بنيّته الكلام، مسجّلاً موقفه المعتاد تجاه المحكمة :” سأتكلّم رحمة بالشباب رغم أنّني غير مقتنع بمحكمتكم التي يُهيمن عليها “حزب الله” وإيران لكنني سأسير بالملف”.
يروي الأسير كيف انتقل من صيدا إلى طرابلس بعد أحداث عبرا، ويقول:” قصدت منزل محمّد الشريف ومن ثمّ منزل حسام الرفاعي. والحقيقة أنّني أحرجت الرجلين، فالأوّل طلب مني (كما فعل والده) مغادرة بيته فقصدت منزل حسام الذي أُحرج أيضاً وخاف على أفراد عائلته ، لم أمكث عنده سوى ساعات قليلة قبل أن يطلب مني ترك بيته أيضًا . حلقت ذقني أنا وأخي أمجد ثمّ نقلنا حسام بسيارته التي اختبئنا في صندوقها إلى منزل الشيخ سالم الرافعي. بعد نحو أسبوع أبلغني الشيخ أنّه أمّن لي مكانًا آمنًا في التبانة فانتقلنا. فيه أوصدت ألابواب علينا، مكثنا في الشقة أيّامًا كان “الشباب” خلالها يحضرون لنا بعض الحاجيات ويغادرون.
إلى بحنّين.. سعيًا للهرب
من هناك إنتقل الأسير إلى منزل الشيخ خالد حبلص في بحنين تبعته عائلته بعد نحو شهرين، ومن الأخير طلب إمام مسجد بلال بن رباح مساعدته على السفر بشتى الوسائل، لكنّ حبلص حاول إقناعه بالعدول عن رأيه وعدم ترك الساحة السنيّة في لبنان لكنّ الأسير كان قد اتّخذ قراره – كما أفاد- منذ مغادرة صيدا بمغادرة البلاد. استمرّت محاولات الأسير بالهرب من لبنان دون جدوى…
وقبل أن يُتابع روايته يشير إلى تعرّضه للتعذيب خلال التحقيق معه في الأمن العام ويقول:” حضرة العميد يجب أن تعرف أنّني تعرّضت للتعذيب والإهانة الشديدة. بقيت 4 أيام مكبّلا، حتى عندما كنت أدخل الحمّام لم يفكّوا قيدي، شتموني وأهانوني كثيرًا. المحقّق قال لي أنت عم تقول ما بدّك تخلّي حسن نصرالله ونبيه برّي يناموا ، إنت ما رح تنام وبالفعل بقيت أربع ليالي من دون نوم. سيّدي أنا آخذ إبرة “أسولين” يوميًّا، إجوا الشباب ضربوني إبرة في ظهري دون أن أرى ما هو نوعها، من بعدها صرت اشعر بالهذيان لكنّي لا أعرف إذا كانت هي السبب أو قلّة النوم.
هنا علّق رئيس المحكمة “حكيت اللي بدّك أرجو أن تفيدنا بمعلومات عن مضمون الملف، هل صحيح أنّك اتفقت مع الشيخ خالد حبلص على إنشاء قوّة عسكريّة في الشمال بحيث تتولى أنت التمويل وهو يتولى التدريب؟ ، ردّ المستجوب:” غير صحيح. الشيخ خالد كان “حالة” في الشمال وأنا تعاملت معه على هذا الأساس وهو كان يزور العميد عامر حسن علنا والدولة كانت تعلم بذلك، أنا قمت بدعمه ماديّا حيث اشترى فان لنقل الطلاب ولإقامة دورات قرآن ومساعدة عوائل النازحين ووصلت مجموع المبالغ التي سلّمته إياها مئة ألف دولار”.
الخلايا النائمة.. نحو جهنّم
الأسير نفى أن يكون طلب من أحد سلاحا خلال وجوده في بحنين وقال:”لم أكن أتواصل مع أحد ولم يكن أحد يعلم بوجودي إلّا معتصم قدورة الذي نقل لي أهلي من صيدا، وهو من أخبرني أن شاهين سليمان يحاول تجميع الشباب من أجل إنشاء خلايا نائمة للإنتقام ممّا حصل معنا، لكنني أقنعته بأن هذا العمل يضربنا. في الحقيقة أنا خفت من مسألة الخلايا وما سيتبعها من ردود فعل على عائلتي وأمي في صيدا. هذا ليس منهجنا ونحن عندما تسلّحنا قمنا بذلك عراس السطح وهذا حقّنا”.
يتابع الأسير: ” منذ انتقالي إلى بحنين طلبت من الشباب كلّ واحد يدبّر حاله ولم أطلب إنشاء خلايا نائمة أبدًا لأنّها ستقلب صيدا إلى جهنّم، لقد حصرت تواصلي بأخي وأولادي فقط”.
وردّا على سؤال نفى الأسير أن يكون شقيقه أمجد وفراس الدنب وفادي بيروتي قد أتوا من صيدا إلى بحنين بعد الخطبة الشهيرة للشيخ خالد حبلص التي حرّض فيها على الجيش، وقال:” البيروتي والدنب كانا في مخيم عين الحلوة وعرفت حديثا أنهما غادراه مع شقيقي أمجد”. وأضاف:” لقد لمت الشيخ حبلص على خطبته فأجابني أنّه إنساق بعاطفته نتيجة إلحاح أهل طرابلس عليه بالدفاع عن أهل السنّة، لكنني أصريت عليه بعدم الوقوف ضد الجيش ولمّا سمعنا أول طلق ناري في بحنين قال الشيخ حبلص “مين هالحمار اللي عم يطلق النار”.
وهل كان محمد الناقوزي هو من أطلق الأربي جي على الجيش وما نتج عن ذلك من استشهاد ضباط وعسكريين – سأل عبدالله – فأجاب الأسير:” أنا حينها كنت في منزل الشيخ خالد وكنت قد أنهيت عمل مسؤولي العسكري فادي عوكش والدليل أنّه سافر إلى سوريا ومات هناك.”
إلى عين الحلوة وشاحنة “الزبل”.
وشرح الشيخ الموقوف كيف انتقل عبر البساتين في الشمال إلى أحد المنازل حيث رفض صاحب البيت استقباله مع أفراد عائلته. اتصل حينها بشاهين سليمان الذي يملك “كميون”، وطلب منه إحضاره لنقلهم إلى مخيم عين الحلوة.
ساعات قليلة مرّت حتّى حضر شاهين بشاحنته التي قادها بنفسه، جلس الأسير وشقيقه أمجد وأولاده على المقعد الخلفي، واستطاع السائق اجتياز الحواجز بنجاح، وكان كلّما أوقفه حاجزٌ للجيش وسأله “شو محمّل؟” يجيب: “زبل” (بعر الحيوان كريه الرائحة)، فعبر الحواجز من دون أن يفتّشه أحد. وصل الجميع إلى منزل في منطقة شرحبيل وباتوا ليلتهم هناك. في اليوم التالي نزلوا عبر البساتين إلى مخيم عين الحلوة بعد أن حلق الأسير وشقيقه لحيتهما، ومنها وصلوا إلى حائط وسياج، طلع الشيخ الأسير على السور قليل الإرتفاع، قفز منه مع أولاده وشقيقه إلى داخل المخيم وانتقل في عدّة منازل حتّى استقرّ في تعمير عين الحلوة.
حُكمت بالإعدام ظُلمًا
الأسير رأى إلى أنّه حُكم بالإعدام ظلمًا، مدّعيًا أنّه كان يتمّ تلفيق أغلب المعلومات التي تكتب في تحقيق الأمن العام، والدليل أنّه طلب منه توقيعها أربع مرّات وفي كلّ مرّة كانوا يقولون أنّه حصل خطأ مطبعي، مؤكّدا أنّ خالد حبلص لم يكن لديه النيّة لمواجهة الجيش وأنّه علم أنّ أشخاص تابعين للدولة الإسلامية هم من فعلوا ذلك.
آوى الأسير وندِم
كما استجوبت المحكمة حسام الرفاعي الذي اكّد أنّ والد محمّد الشريف طلب منه الحضور إلى منزله لتركيب كاميرات مراقبة، وما لبث أن أخبره أن الشيخ الأسير عنده وهو في خطر، وطلب منه أخذه إلى منزله ففعل دون تقدير عواقب الأمور. وقال:” بقي الأسير عندي من الساعة 11:30 ليلا إلى الصباح. أذكر جيدا أنني لن أنم في تلك الليلة، خفت على أولادي وزوجتي وأمي فطلبت من الشيخ المغادرة في الصباح. حاول هو الإتصال بمن سيقلّه من بيتي دون مجيب، فطلب مني إيصاله إلى طرابلس. في الحقيقة أنا كنت على استعداد لإيصاله إلى الصين المهم أن يُغادر ، وضعته في صندوق السيارة هو وشقيقه أمجد، أوصلته إلى الشمال بناء لطلبه ولما وصلنا علمت أننا عند الشيخ أسامة الرفاعي. بعدها طلب مني نقل أولاده إليه فرفضت واتفقت معه أن أوصلهم إلى قصر موسى حيث كان هناك من ينتظرهم.
في نهاية الجلسة طلب وكلاء الدفاع دعوة عدد من الشهود من بينهم اللواء عباس ابراهيم، المحققين الذين تولوا تنظيم المحاضر اضافة إلى الشيخ خالد حبلص، فقرّرت المحكمة ردّ كافة الطلبات باستثناء دعوة حبلص لسماعه في جلسة قرّرت في 13 آذار المقبلة.
المصدر : سمر يموت – لبنان 24