‘بموت فيكِ’ وتوفي جهاد بغرفة ابنته في المستشفى… زوجته ‘لا أصدّق أنّه رحل’
كان بجانب سرير ابنته (6 سنوات) في مستشفى الروم- الأشرفية عندما وقع الانفجار. كان يريد أن يكون برفقة ابنته التي تُعالج من السرطان قبل أن يغدرهم الانفجار ويدمّر معالم مدينة ومستشفى بالكامل. هو الذي كان يردد دائماً أنه “يموت بعائلته”، صدُقَتْ كلماته اليوم، “ويا ليتها لم تتحقق”. لم يكن أحد يتصور أن يعيش هذه الكارثة. من يتخيّل أن المستشفى يتحوّل بنفسه إلى ركام، ومن يركض إليها للعلاج وجد نفسه ضحية فيها؟!
كلمات مؤثرة تعلو فوق صورته المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، “جهاد طلعت هالسنة سنتو، بنتو مريضة تخايلو إنتو، شو قال “فيكي بموت” حدّ التخت، ومات حدّ التخت بـ بنتو”.
هذه الكلمات تكشف قصة موجعة، تُعرف تفاصيلها لحظة الحديث مع زوجته المفجوعة الشاهدة على هذه الكارثة. بصوتها الخافت تسترجع سهى اللحظات قبل وقوع الانفجار، تقول لـ”النهار”: “كنا برفقة ابنتنا في المستشفى لتلقي العلاج بعد أن اكتشفنا منذ شهر أنها مصابة بالسرطان. لم يكن جهاد قد مرّ على وصوله إلى لبنان شهر، وقد انحجر لأسبوعين بعد وصوله من لاغوس وإجراء الفحوصات اللازمة (pcr) قبل أن يرافق ابنتنا في مشوارها العلاجي.
كنا في الغرفة مع ابنتنا حين سمعنا الصوت الأول، توّجه جهاد إلى النافذة لمعرفة ما يجري وسبب هذا الصوت. وما هي إلا ثوانٍ حتى دوى الانفجار، لم يعدّ هناك شيء في مكانه. بدأتُ أبحث عنه تحت الركام والحطام، ركضتُ بسرعة إلى سرير ابنتي لأنزع عنها المصل وأتمكن من إنقاذها، ثم ركضتُ صوب جهاد الذي كان تحت الأنقاض في الغرفة. حاولتُ نزع الزجاج والحديد الذي كان يغطيه، لم أكن أستوعب ما يجري، لم أصدق هول الفاجعة التي كنا فيها. المشهد كان كارثياً.
“لم أكن أفكر بشي سوى إنقاذ ابنتي وزوجي من هناك، نزلنا من الطابق التاسع إلى الطريق، “الحمدلله لم تنخذش ابنتنا، لقد فداها جهاد بروحه. كنتُ أحاول الوصول إلى مستشفى آخر، كان جهاد يُحتضر، كنت أفكر فقط في الوصول إلى أي مستشفى. إلا أن جهاد توفي، لقد حقق ما كان يقوله دائماً: “بموت فيكم، ما تعطلو هم شي، أنا معكم”.
تعرف جيداً سهى كل كلمة قالها جهاد، تحفظها في قلبها، لم تكن تتوقع يوماً أن يرحل بهذه الطريقة. لديها الكثير لتقوله عنه، تصفه: “لقد كان شخصاً رائعاً، مبتسماً، كان إنساناً سعيداً ويحب الحياة. شهيد الوطن تركنا اليوم، أنا وولديه كارل ودجيما، لا أصدق أنه رحل”.
قصة جهاد واحدة من قصص كثيرة نكتشفها يوماً بعد يوم، وكلما عرفنا الوجوه والحكايا أصبح الجرح أعمق وأكثر وجعاً. ودّعته مزيارة بالأمس، بكاه محبوه وعائلته وأولاده الذين فقدوا أباً وسنداً نتيجة إهمال دولة لم تنل عقابها بعد. ما جرى مجزرة بحق شعب لم يقترف ذنباً إلا أنه يعيش في لبنان، فمن يُعوّض خسارة الأب والزوج والإبن؟ من يتحمل كل هذه الدماء والأرواح التي سقطت بسببكم؟!
المصدر : ليلي جرجس – النهار