بين زياد وسوزان.. ضيّعوا هيبة الأجهزة والقضاء!
ما يهمّ المواطن من كل هذه القصة التي شغلت منذ نهاية الاسبوع الماضي أركان الدولة من كبيرها حتى صغيرها، ولا تزال تربك الاوساط السياسية، هو أن تكون الدولة دولة بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ بتنا نفتش عن دلالاتها بالسراج والفتيلة.
ما يهمّ المواطن العادي الذي يسعى وراء لقمة العيش، وهو يراها تسابقه نحو الهاوية، بفعل هذا الكمّ الهائل من التسيب والفلتان على كل صعيد، ما يهمه من قصة زياد عيتاني والمقدم سوزان الحاج ألاّ يضيع ما تبقى من هيبة لما يشبه الدولة في متاهات وزواريب الحرتقات السياسية والإنغماس أكثر فأكثر بوحول الطائفية، وألا تتحول الاجهزة الامنية إلى جزر أمنية طائفية، كل يحاول أن يشدّ اللحاف السياسي إلى الجهة التي يراها مناسبة لوضعية هذا الفريق أو ذاك الزعيم المتمترس وراء طائفته، وهذا ما ينعكس حكمًا على صدقية بات التفتيش عنها تمامًا كمن يفتش عن إبرة في كومة قش.
فإذا كان الفنان زياد عيتاني بريئًا أو متّهمًا فلا أحد يحقّ له، أيًّا كان إصدار حكم ببراءته أو إدانته، سوى القضاء الذي لم يقل بعد كلمته الأخيرة، وهو المخّول وحده أن يبتّ بهذه القضية بكل تجرّد وموضوعية، ومن دون أن يتأثر هذا القرار بالأجواء الخارجية التي أحاطت بها من كل حدب وصوب، مع كل الإيحاءات السياسية بإمكانية براءته، مع ما أثاره تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق من جدل سياسي قاد إلى العنوان الخطأ.
أما في ما يتعلق بالمقدم الحاج، وهي منضوية في سلك أمني له سلوكيته ومناقبيته وإنضباطه، فلا يحقّ لأيٍ كان تناول ملفها، سلبًا أو إيجابًا، قبل إجراء التحقيقات النهائية في قضية شائكة ومعقدّة يحتاج حلها إلى الكثير من الحكمة والتروي، بعيدًا عن المزايدات والتدخلات، القريبة منها والبعيدة.
وفي كل ذلك نعود إلى إهتمامات المواطن، الذي أصبح أسير ما يُنشر على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، وأسير الشائعات غير المسندة إلى معطيات غير دقيقة، وقد تكون في أغلب الأوقات مفبركة وغير مضبوطة لغايات محدّدة وخارجة عن السياق المتبّع في الإعلام المسؤول الذي يدّقق بكل معلومة قبل نشرها.
صحيح أن من حقّ المواطن، الذي أصبح متابعًا لكل شاردة وواردة، أن يعرف الحقيقة المجرّدة في هذه القضية وفي غيرها من القضايا، ولكن ما لم يعد مقبولًا به هو أن يُترك هذا المواطن في ضياع من أمره، وأن يبقى حجرًا بين شاقوفين، شاقوف الشائعات وشاقوف التخبّط الرسمي، الأمر الذي يجعله منساقًا بالسليقة نحو تصديق ما يُشاع، خصوصًا في ظل تضارب المعلومات، وفي غياب موقف رسمي واحد موحدّ، بعدما تناهى إلى مسامعه أن ثمة تناقضًا في ما يقوله هذا الجهاز ويعاكسه جهاز آخر.
ولأن الموسم هو موسم إنتخابات، ولأن المواطن هو محور هذه الإنتخابات، نرى الجميع يحاولون إستمالته بموقف من هنا وتصريح من هناك في سعي منهم لدغدغة عواطفه وإثارة مشاعره من أجل ضمان صوته لمصلحة هذا الحزب أو ذاك التيار تحت شعار “الغاية تبرّر الوسيلة”، مع ما فيه من ميكيافيلية توسم هذه الإنتخابات بوسم “الولاء الأعمى” غير الخاضع لمنطق التمييز بين الغث والثمين من المواقف إلى درجة إستباق أي حكم قضائي بحجة إعطاء رأي شخصي لا يمت بصلة إلى الموقع الرسمي الذي يمّثله هذا المسؤول أو ذاك.
مرّة جديدة أبعدوا المواطن عن “بازارتكم” الإنتخابية، وأرفعوا ايديكم عن عمل القضاء ولا تسيسوا الأجهزة الأمنية أو “تطيفوها”، وأتركوها تقوم بوظيفتها، وهي تؤديها بكل حرفية في كشف الخلايا الإرهابية وشبكات التعامل مع العدو والجرائم الفردية في سرعة قياسية، وذلك بإعتراف الجميع في الداخل والخارج.