تمخضت الأزمة … فولدت «فدرالية النفايات»
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والعشرين بعد الخمسمئة على التوالي.
أكثر من مئة يوم كانت كافية لنبش كل نفايات وأمراض لبنان السياسية والطائفية والمذهبية والعنصرية والزبائنية.. والحبل على الجرار.
صحيح أن نصاب التسوية الحكومية قد انعقد بمجرد التفاهم على تقاسم «النفايات المسيحية» جنوباً وشمالاً، وصحيح أن حكومة تمام سلام قد كُتبت لها فسحة عمرية جديدة بعنوان «تصريف الأعمال»، غير أن الأصح أن هذه الطبقة السياسية التي رفض معظمها «القانون الأرثوذكسي».. لـ «أسباب وطنية»، سرعان ما سقطت في فخ «فدرالية النفايات».
في الواقع، سيبادر رئيس الحكومة تمام سلام اليوم، بعد جلسة تقنية أخيرة للجنة الوزارية المعنية، إلى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد الإثنين، في جلسة تناقش بنداً يتيماً، إلا إذا طرأ ما يستوجب من بنود من خارج جدول الأعمال، وتحديداً موضوع استكمال تغطية رواتب موظفي القطاع العام عن شهر تشرين الحالي.
البند اليتيم هو الخطة المرحلية أو الاستثنائية المؤقتة للنفايات، وإذا سارت الأمور كما يتمناها «وزير الوصاية» على وزارة البيئة أكرم شهيب، فإن خطته لمعالجة ملف النفايات انتهت بشقها التقني، بعدما وافق الرئيس سعد الحريري و «حزب الله» و «حركة أمل» على تقاسم نفايات المتن وكسروان. ولم يبق سوى الشق القانوني والمالي، حيث يُفترض أن يبت مجلس الوزراء بمجموعة مراسيم تضع الحل على سكة التنفيذ المفترض أن يستمر 18 شهراً، في انتظار «وصفة جذرية» بعد انقضاء هذه المرحلة المؤقتة.
وعلى الأرجح، فإن الوزراء سيدخلون إلى الجلسة، متغاضين عن صراخ المعترضين على فتح مطمر سرار في عكار الذي كان أمره قد حسم منذ زمن، فيما كانت العقبة في ايجاد «مطمر شيعي».
انتظر شهيب جواب «حزب الله» و «أمل»، فأبلغاه في اللحظة الأخيرة أن الموقع يقع بين الجنوب والبقاع، لكن المرجح أنه تم اختيار نقطة محددة في قضاء النبطية.
لم يكن تمرير الخطة سهلاً. بدأت القصة مع إعفاء الوزير محمد المشنوق من الملف، وتكليف الوزير شهيب ترؤس لجنة من الخبراء وأصحاب الاختصاص تنظر في ملف النفايات.
حصل ذلك نهار السبت في 29 آب الماضي. حينها استدعى رئيس الحكومة شهيب، معلناً ثقته به وبقدرته على معالجة الملف، وأبلغه أنه لن يتحمل الفشل في حل مسألة النفايات، وفي حال عدم التوصل الى حل سيذهب نحو الاعتكاف بعد 48 ساعة. استمهل وزير الزراعة رئيس الحكومة لاستشارة مرجعيته السياسية، فكان أن حصل على «مباركة» النائب وليد جنبلاط الذي رفض ترك سلام وحيداً «في هذا الظرف الصعب».
لم تحتج الخطة لأكثر من ستة أيام لإنجازها. بعد ذلك، كانت المهمة الأصعب هي تسويقها، ليس بين السياسيين فحسب إنما مع الحراك المدني أيضاً، الذي يعترف وزير معني أنه «كان العقبة الأكبر في طريق الخطة بالتعاضد مع الهواء المفتوح (الشاشات) لكل من يريد أن يبلل يده بالخطة المقترحة». يعترف الوزير المعني أن هذا الضغط الشعبي ساهم في تصويب بعض بنود الخطة، لكنه ساهم أيضاً في إرباك بعض من في السلطة، فصارت المواقف تتأرجح بين تأييد الخطة في الحكومة والحوار وبين معارضتها واقعياً، خشية تعاظم النقمة الشعبية.
كل ذلك يفترض أن يكون قد وصل إلى نهايته. الخطة تسير نحو التنفيذ، لكن شهيب لا يزال عند حذره، ففي الأمتار الأخيرة من السباق ربما يزداد خطر السقوط.
ومع افتراض أن كل شيء سيسير وفق الخطة التي وصفها البعض بأنها بمثابة «القانون الأرثوذكسي الخاص بالنفايات»، فإن النفايات التي كانت تجمع من نطاق «سوكلين» والتي تتراوح بين 2500 طن و3000 طن، ستوزع بالتساوي بين مطمري سرار والجنوب.
فالرئيس سعد الحريري وافق على نقل نفايات المتن وكسروان (700 طن) إلى سرار لتضاف إلى نفايات بيروت (600 طن) فيما وافق «الثنائي الشيعي» على نقل نفايات ساحل بعبدا (250 طناً) إلى الجنوب، إضافة إلى نفايات الضاحية الجنوبية (نحو ألف طن).
يرفض شهيب التقسيم المناطقي ـ الطائفي للنفايات، والذي يعتبره قيادي في الحراك المدني بمثابة تنفيذ واقعي لعملية الفرز من المصدر، بحيث تفرز الخطة بين المذاهب «المُصدرة للنفايات». يصر وزير الزراعة على أن كل النفايات ستوزع على مركزي الفرز في العمروسية والكرنتينا، على أن يُوزع ما يتبقى بالتساوي بين المطمرين. أما النفايات المكدسة في المكبات العشوائية فتنقل كما هي إلى مطمر الناعمة، مع تأكيد شهيب أن المطمر لن يفتح ليوم واحد بعد انتهاء مدة الأسبوع المحددة في الخطة المرحلية.
«سوكلين» ستكون حتماً في قلب المرحلة الانتقالية، كما البلديات. وأول الغيث توقيع مرسوم توزيع مستحقات البلديات من دون حسومات، وهي مقسمة على الشكل التالي: 670 مليار ليرة من أموال الخلوي، 525 من الصندوق البلدي المستقل، فيما خصص للبلدات التي لا بلديات لها 6 مليارات ليرة. وبالرغم من أن التمويل سيكون على عاتق البلديات المستفيدة من «سوكلين»، إلا أنه يحق لكل بلدية ان تعلن أنه صار بإمكانها تولي مسؤولية معالجة نفاياتها وتنسحب من الخطة، علماً أن عملها سيخضع لرقابة الوزارات المعنية إضافة إلى خبراء من الجامعات.