‘تنازلات’ ميقاتي تُقلق عون!
غريب جداً ما نشهده اليوم في البلاد ، فعلى وقع كل الأزمات المتراكمة والمآسي المتلاحقة وليس آخرها انفجار التليل، نرى في أروقة السياسة وكواليسها، أن الأمور لا تزال على حالها بالنسبة لتأليف الحكومة، ولو مع فوارق بسيطة هي السبب في كل هذه الأجواء التفاؤليّة.
يبدو أن أرباب الأكثريّة الحاكمة في لبنان، يمارسون السياسة تبعاً للقاعدة التي تكلّم عنها غروتشو ماركس الكوميدي الأميركي، وهي: السياسة هي فن البحث عن المشكلات في كل مكان وتشخيصها بشكل غير صحيح، وحلّها بشكل خاطئ. فالمشكلة في البلاد واضحة، أزمة إقتصاديّة – نقديّة – معيشيّة تسبّبت باندلاع انتفاضة شعبيّة أحدثت تبدلاً كبيراً في المزاج العام اللبناني وغيّرت وجهة الرأي العام. هذه الأزمة تطوّرت بحكم التشخيص والمعالجة الخاطئة لتطال الواقع الإجتماعيّ في البلاد وتتهدد الأمن الإجتماعي بالإنفجار في أي لحظة كانت. وسبب هذه المشكلة بسيط جداً وهو الإدارة السيئة والخاطئة للبلاد، سيادياً وسياسياً وأمنياً واقتصاديّاً ومالياً من قبل هذه الأكثريّة الحاكمة على مر السنوات الماضيّة.
الحلّ للمشكلة حسب الفطرة البديهيّة، هو تغيير هذه الطغمة الحاكمة. أمّا عن كيفية الإطاحة بها؟ هناك سبيل من إثنين إما ثورة عنفيّة أو ثورة ديمقراطيّة عبر انتخابات نيابيّة. الخيار بحسب الفطرة البديهيّة هو الثاني.
هذا بالنسبة للفطرة البديهيّة، أما بالنسبة للطبقة الحاكمة، وبحسب قاعدة غروتشو ماركس، إن سبب الأزمة هو حصار كوني وحرب كونيّة تُساق على أرباب هذه السلطة والعهد، والحلّ يكمن في غضّ النظر عن أوجاع الناس والتلهي بالمماحكات السياسيّة من أجل تأليف حكومة من قبل أرباب هذه السلطة الفاسدة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.
لذا ترانا اليوم في البلاد نتابع “بورصة التأليف” يومياً، وفي هذا الإطار إذا ما تقصدنا القيام بجولة في كواليس المشهد السياسي بحثاً عن حقيقة ما هو حاصل، لوجدنا أن الواقع بعيدٌ بعض الشيء، عمّا يشاع في الإعلام عن إيجابيّة وتقدّم في مسار التأليف.
أرباب الكواليس يفيدون أن مسار التأليف أصبح اليوم في منتصف الطريق، لذا لا يمكن الحسم بأننا اجتزنا مرحلة الخطر أبداً باعتبار أن الشيطان يكمن في النصف المتبقّي من الطريق.
تفيد المصادر أن الكلام عن التوصّل إلى اتفاق على توزيع الحقائب على الطوائف وحصّة كل حزب من الحقائب، ليس دقيقاً تماماً باعتبار أن رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيّة لم يبلّغ حتى الساعة بالحقائب التي ستُسند إلى تياره وهو لديه موقفاً من هذه المسألة، باعتبار أنه لن يرضى بفتات ما تبقى من التشكيلة. كما أن مسألة الثلث المعطّل لا تزال قيد التباحث وجلّ ما تم التوصل إلى الإتفاق عليه ، هو حقائب الداخليّة والدفاع والعدل.
وتفيد المصادر أنه بالرغم من أنه تم التوصل إلى الإتفاق حول توزيع هذه الحقائب، إلا أن المشكلة الأساس تكمن في ما تبقى وهو إسقاط الأسماء على هذه الحقائب، باعتبار أنه ليس صحيحاً ما يشاع عن أن هذه المسألة قد أنجزت خلال مسار التفاوض، وإنما هناك مشكلة كبيرة تعتري هذه المسألة وهي تسمية وزير المال بحيث أن ما قيل عن تساهل الرئيس نبيه بري في هذه المسألة ليس دقيقاً، فهو لا يزال عند إصراره على تسمية يوسف خليل وزيراً للمال، فيما الرئيس ميشال عون يرفض هذه التسمية بشكل قاطع.
وتعتبر المصادر أن هذه المشكلة ليست بسهلة الحل، وإنما على الرئيس المكلّف أن يجهد من أجل حلّها ما بين الطرفين، فهي من الممكن أن تفجّر كل هذا المسار التفاؤلي خصوصاً في ظل الأجواء المتشنجة بين طرفيها.
وأفادت المصادر أن اللقاء الأساس الذي كنا نترقبه لنرى ما ستسفر عنه من نتائج لم يكن لقاء بعبدا البارحة، وإنما الإجتماع المزمع عقده في منزل ميقاتي ليلاً مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، ليلاً من أجل استكمال البحث في مسألة التأليف، وخصوصاً لناحية تسمية الوزراء المسيحيين والتشاور في مسألة تسمية وزير المال.
وأشارت المصادر إلى أن الأجواء ما بين أطراف التأليف ليست صافية تماماً، فقد لوحظ أن الرئيس عون ليس مرتاحاً تماماً للتنازلات التي يقوم الرئيس ميقاتي بتقديمها له، وهذا الأمر يثير قلقه خصوصاً وأن هذا الأمر يتناقض مع بيانات رؤساء الحكومات المتشددت في مسألة عدم تقديم أي تنازلات، الأمر الذي يدفع بالرئيس عون إلى التعامل بشكل حذر جداً مع مسألة التأليف.
ومن الجهة الأخرى، تقول المصادر إن الرئيس سعد الحريري من جهته ليس مرتاحاً تماماً لمسار الأمور وطريقة إدارة التأليف من قبل الرئيس ميقاتي، الأمر الذي دفعه للقول صراحةً أنه سيقابل أي تنازل من قبل الرئيس المكلّف لرئيس الجمهوريّة، بتصعيد كبير جداً ولن يدعه يمرّ مرور الكرام.
في الختام، تؤكد المصادر أنها ليست في صدد إشاعة اجواء سلبيّة عن مسألة التأليف التي اجتازت منتصف الطريق، وإنما جلّ ما تود قوله هو أن هناك إفراطاً في التفاؤل بولادة الحكومة، باعتبار أن مسار التأليف أمام عقبات كبيرة وبإمكان أي واحدة منها أن تعيدنا إلى المربّع الأول، لذا ما علينا سوى المتابعة ساعة بساعة وترقب ما ستؤول إليه الأمور.
المصدر : بولس عيسى – ليبانون ديبايت