جنوبا | المعلّمة ميرنا ورثت مهنة والدها وأكملت طريقه في صناعة ‘راحة الحلقوم’..
“رحل عميد صناعة «راحة الحلقوم» الشهيرة الحاج عاطف غرمتي عن عمر ناهز الـ90 عاماً، ويعتبر أقدم معلم في صيدا القديمة، قبل نحو عام (تشرين الثاني 2021)، ولكن كريمته ميرنا قررت عدم اقفال معمله المتواضع ذي القناطر الحجرية والمتفرع من ساحة «ضهر المير» الى أحد أزقة «حي الكنان»، حيث تفوح رائحة الحلوى من ثنائي الغرمتي – ابو حسن الهبش، رفيق المهنة في صناعة معمول المدّ بأنواعه المختلفة.
وميرنا الغرمتي، التي ورثت المهنة عن والدها الحاج عاطف منذ نعومة أظافرها، هي الصغرى في العائلة المؤلفة من 5 بنات وثلاثة شبان، شقوا طريقهم في الحياة، كلّ باتجاه، ولكن بعيداً من هذه المهنة التي لم يجدوا فيها الراحة، اذ تحتاج الى خبرة وتعب وتركيز والا انتزعت «الطبخة» وذهب كل شيء هباء منثوراً.
وتقول ميرنا لـ «نداء الوطن»: «لقد تعلمت المهنة على أصولها من والدي رحمه الله، تزوجت وعملت وعشت معه في البيت نفسه، واليوم أواصل صناعتها بشغف، اذ اعتبرها ليست مجرد مهنة لكسب قوت اليوم الكريم، بل هي إرث يجب الحفاظ عليه كجزء من ذاكرة المدينة وتاريخها وتقاليدها»، مشيرة الى ان والدها تعلم المهنة من خاله المعلم محمد النقوزي وهي في الاساس حلوى تركية.
وتعدّ «راحة الحلقوم» في صيدا حلوى المولد النبوي الشريف بلا منافس، وهي وان وجدت زبائن لها على مدار العام، الا انها تزدهر حصراً وتحتل واجهات محال بيع الحلويات مع اقتراب الذكرى، إذ يعتبرها الصيداويون شرطاً متمّماً للاحتفال به كتقليد متوارث أبّاً عن جد.
وتقول ميرنا: «ان الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة أدت الى تراجع بيعها، ولكن في ذكرى المولد يقبل ابناء المدينة عليها، وهي الحلوى الطرية الطيبة المحشوة بالفستق الحلبي او بالجوز او البندق او جوز الهند او المستكة (السادة) ولكل منها سعره، وسعر كيلو الفستق الحلبي 300 ألف، بينما الجوز او البندق 270 ألفاً والسادة 150 ألف ليرة لبنانية».
وتؤكد ميرنا انها لا تزال تتمسك بصناعة راحة الحلقوم وفق الطريقة لأنّها الأطيب، «نخلط النشاء والسكر وحامض الليمون والمستكة والماء على النار في جرن نحاسي، وتحرك لحوالى ساعة بالمسواط (ملعقة خشب طويلة)، ثم يتم دعك الطبخة التي صارت عجينة ممدودة في قوالب خشبية وتقطّع إلى مكعبات صغيرة، قبل ان ينثر السكر عليها وتلف في اوراق خاصة من دون ادخال اي من الآلات، برغم التعب اليدوي الذي يستلزمه تحضيرها»، وتضيف: «انها راحة… ولكن ليس فيها راحة اذا اراد المعلم ان يتقن صناعتها»، من دون ان تغفل سر صناعتها الصيداوية الخالصة، تتذكر وصية والدها وتردد «لا تكشفي سر المهنة لأحد لانها مثل العرض».
والى جانب ذكرى المولد النبوي الشريف، توزع راحة الحلقوم كنوع من «الرحمة» أو «الفطرة»، حيث تُقدم قطعها المكعبة نُقلاً للضيوف. كما يكثر توزيعها عند مداخل المساجد، عُلباً مختومة، «رحمة» للفقراء، او تكريماً لعزيز ميت، أو تكريماً للرسول محمد (صلعم) كما في دور الايتام والمدارس… كما يزدهر «الملبن» في عيدي الأضحى والفطر كل عام.
وفي صيدا القديمة باتت كل صناعة ماركة مسجلة باسم كبير محترفيها او شيخ المهنة من الرعيل الاول، «راحة الحلقوم» تعني الغرمتي، «معمول المد» يعني ابو حسن الهبش، والمشروبات كالتوت والسوس والخروب والجلاب والتمر هندي تعني «الحنون» لصاحبه أحمد الأرناؤوط، والسحلب يعني محل «أبو زهير حنقير» المتوّج «ملك السحلب» من دون منازع وهكذا من الألف الى الياء.
المصدر : محمد دهشة – نداء الوطن