‘صدمة الانفجار’ كلفتها حياتها….. بعد شهور من الألم، مارلين خسرت شقيقتها التي ما فارقتها يوماً
” وكأنه حُكم على اللبنانيين بأن يغرقوا في أجواء حزينة لا نهاية لها منذ انفجار مرفأ بيروت المشؤوم، فمسلسل الموت يستمرّ بخطف المزيد من الضحايا، الذين يهزّ رحيلُهم كياننا، ويُغرقنا في بحر من الهموم والأحزان.
الصيدلانية أرليت جان قطاع ضحيّة جديدة لانفجار المرفأ، بعد سنة من حدوثه، وقد أغمضت عينيها إلى الأبد في يوم 4 آب 2021، تاركة أشقاءها وأفراد عائلتها غارقين في الحزن والأسى والاشتياق لفقدانهم من كانت راهبة بأخلاقها وإنسانيّتها، ولو لم تدخل سلك الرهبنة؛ فكانت هموم الناس شغلها الشاغل، وهمّها تأمين حاجيّاتهم بما تسمح لها الظروف، وفق ما توضح شقيقتها مارلين بلوعة.
في يوم #الانفجار، كانت أرليت، ومعها شقيقتها مارلين، في الصيدلية في الكرنتينا، مع شاب حين سمعوا دويّ في الأجواء، ما دفع الشاب ومارلين إلى الخروج لرؤية ما حصل في تلك اللحظة، فكان الفاصل بين الشقيقتين حائطٌ انهار، وعلقت مارلين تحت الردم.
ما حصل فرّق الشقيقتين اللتين لم تفترقا يوماً، إذ تؤكّد مارلين أنّهما كانتا تنامان في السرير نفسه لشدّة تعلّقهما ببعض. وصحيح أن أرليت لم تتأذَّ بالانفجار، ومن الردم، ولم تتلقَّ ضربة على رأسها، إنّما الصدمة التي تلقّتها لخوفها على شقيقتها كانت أقوى من أيّ ضربة يُمكن أن تتلقّاها؛ فهي اعتقدت أنها تأذّت تحت الردم في الانفجار. فمنذ ذلك الحين، تدهورت حالة الأخت الحنونة، ولم تعد يوماً إلى ما كانت عليه قبل ذاك اليوم.
تعجز مارلين عن متابعة حديثها من حرقة قلبها على شقيقتها، التي خسرتها في لحظات، فتمنّت في كلّ لحظة طوال عام لو تعود إلى ما كانت عليه، لكنها في تلك اللحظة فقدتها حتى أغمضت عينيها في الذكرى السنوية للانفجار إلى الأبد، لكنّها تقول: “تعرضت أرليت لصدمة قوية من شدّة خوفها. وكانت قبل الانفجار تعاني نفسياً أيضاً بسبب كورونا والأزمة الاقتصادية وبدء انقطاع أدوية معينة كانت تجد صعوبة في تأمينها للنساء.
كان همّ الناس همّها، وتُشغل بالَها باستمرار بمشاكلهم، محاولة تأمين كلّ مساعدة لمن يحتاجها. فبعد الصيدلية، كانت تزور كلّ من يحتاجها لتقديم المساعدة من علاج أو دواء. أمّا المسائل المادية فلم تكن لها لديها أي قيمة. ويشهد الكلّ على حسّها الإنساني اللامتناهي، وعلى طيبة قلبها. وشهادات كلّ من عرفها تؤكّد ذلك، إذ كان من يقصد الصيدلية، ولا يحمل مالاً، يخرج حاملاً الدواء الذي يحتاجه من دون مقابل”.
طوال هذا العام، تراجعت حالة أرليت تدريجاً فتلك الصدمة النفسية التي تلقتها قضت عليها، فبقيت جسداً بلا روح، لا تتفاعل مع أحبائها، ولا تعرّفهم حتى. كانت تمشي في مرحلة أولى، وتتفاعل بشكل بسيط دون كلام، ثمّ فقدت بعدها القدرة على المشي حتى أنّها لم تعد تعرف كيف تأكل، ولم تعرّف أحداً من أفراد عائلتها.
لم تكن تجد مارلين أيّ تجاوب من قبل أرليت، بالرغم من تعلّقها الشديد بها. كانت تتحدث معها لكن لا تشهد على تفاعل من قبلها، باستثناء أن إحساسها كان يُنبئها بأنها تسمعها عندما تنهمر دموعها على خدّيها عندما تتحدّث إليها. “كانت تبدو كطفل في رحم أمه طوال هذه الفترة، متقوقعة على ذاتها، فلم تعد تشبه ما كانت عليه كما عرفها الكل. وهذا بالرغم من أن الفحوص والصور التي أجريت لها أكّدت أنها لم تتعرّض لأيّ ضربة على رأسها، بل أكّد الأطباء أن ما تعرّضت له هو صدمة تسبّبت بتدهور حالتها تدريجاً مع نشاف في الشرايين”.
منذ يوم الانفجار، لم يعد لمارلين منزل تُقيم فيه لأن منزلها لا يزال متضرّراً إلى حدّ كبير، فانتقلت للعيش برفقة والدتها التسعينيّة مع عائلة شقيقتها، وكذلك شقيقها، فأصبحت عائلات عدّة تُقيم في منزل واحد. وضعت أرليت ومارلين الشقيقتان المتلازمتان دوماً جنى العمر كلّه من تعويضَي نهاية الخدمة في الصيدلية والمنزل لترتاحا أخيراً ، لكنّهما في لحظة خسرتا تعب السنين كلّه.
تؤكّد مارلين أن ما دمّره الانفجار لم يكن مهمّاً طالما أنه اقتصر على الماديات، بالرغم من أنه لم يعد هناك من مكان لتُقيم فيه العائلة، طالما أن الصحة جيّدة، لكنّها عادت وفقدت حبيبة قلبها ورفيقتها الدائمة، وتقول: “بتنا اليوم نعيش من قلّة الموت. أوصلنا المجرمون إلى هذه الحالة، بعد أن خسرنا كلّ شيء، ولم يعد لنا من أمل في الحياة فيما هم قابعون على كراسيهم، وكأنّ شيئاً لم يحصل. كنت أحياناً أطلب من الله أن يُريح أرليت حتى لا تعود إلى هذه الحياة التعيسة التي لا تستحقها، ولو تحسّنت. هذا ما أوصلنا إليه المجرمون، فكيف لنا أن نستمر بهذه الحال”.
المصدر: مقال لكارين اليان تحت عنوان “نجت من الانفجار لتموت بذكرى 4 آب… رحلت أرليت بوجع الصدمة!”