صرخة وجع مئات المرضى في منازلهم… لا مورفين في لبنان!
ما يعيشه مرضى السرطان جريمة موصوفة، لا أدوية سرطانية لمحاربة السرطان ولا أدوية مورفين للتخفيف من أوجاعهم. ما يتعرضون له من عذاب جسدي ونفسي غير مُبرر، فلا الدولة تتكبد عناء ايجاد حلّ مستدام لملف الأدوية السرطانية، ولا الجسم قضائي يضرب بيد من حديد لمحاسبة المهربين والمسؤولين عن تهريب أدوية السرطان وبيعها في السوق السوداء، ليس فقط اليوم بل الدعاوى المقدمة منذ سنوات ايضًا. الفساد ينخر القطاع الصحي والنتيجة حياة المرضى على المحك والخبيث يتفشى أكثر.
تعود أزمة انقطاع أدوية المورفين إلى الواجهة من جديد، الصرخة اليوم مضاعفة، فالمريض العاجز عن ايجاد دوائه محرومٌ أيضاً من دواء يخفف من آلامه. الجريمة مضاعفة والنتائج كارثية. نعود إلى الحلقة الضعيفة نفسها، شركة واحدة معنية بإستيراد هذه الأدوية التي تنتظر موافقة وزارة الصحة، وحتى الكمية التي توفرت مؤخراً في السوق لم تتعدَّ الـ25 علبة من دواء المورفين فيما مئات المرضى يئنّون وجعاً في منازلهم من دون أن يكترث لهم أحد.
نحاول التحدث مع وزارة الصحة لمتابعة حيثيات هذا الموضوع إلّا أنّ المسؤولة عن الملف لا ترد على هاتفها رغم تحديد موعد معها.
يُشكّل المورفين الملاذ الأخير أمام المرضى الذين هم في المرحلة الرابعة من مرضهم وليس لديهم سوى هذه الحبوب لتخفيف وجعهم قبل أن يُسلموا الروح. يواجهون الموت بأقل ضرر ممكن، ولكن سُلب حق المرضى حتى بموت من دون وجع… وهنا المهزلة الكبيرة والإجرام الأكبر!
منذ 4 أشهر دوّت صرخة وجع مرضى السرطان بعد انقطاع أدوية المورفين التي تُباع في الصيدليات للتخفيف من آلامهم، وبعد حلحلة الأمور لشهر، عادت الأزمة من جديد واشتدت أكثر في الأسابيع الماضية بعد انقطاع أدوية المورفين بمختلف العيارات أو توفر احداها بكمية محدودة جداً.
اليوم تتضاعف الصرخة مع مضاعفة الألم والأنين، لا أحد قادر على اسكات هذا الوجع الذي ينخر أجسامهم الضعيفة التي ما زالت تقاوم هذا الخبيث. قد تكون صرخة الأديبة والنحاتة كيتي عقل اصدق من يتحدث عن الألم الذي تحملها في جسدها منذ شهور، تحاول أن تقاوم بكل قواها المتبقية، هي التي تحملت كل هذا العذاب منذ 10 أشهر تجد نفسها اليوم خائفة وعاجزة أمام كل هذه آلام، لأنّها محرومة من حقها في الحصول على أدوية مورفين تخفف بعضاً من هذه الأوجاع المبرحة.
تروي كيتي بداية معاناتها لـ”النهار” بالقول “بدأت رحلة العذاب بعد خضوعي لجراحة في الثدي لاستئصال الورم، لم يلتئم جرحي وبدأ التهاب ينهش جلدي ويزيد من سوء حالتي. لم يكن السرطان هو السبب بل خطأ طبيّ نتيجة اهمال طبيب في تعقيم الجرح والتأكد من صحته ونظافته، بدأت الأمور تزيد تعقيداً وسوءًا إلى أن وصلتُ إلى مرحلة أفظع حيث شُخصت بالـnecrose ومن ثم حالة small fiber neuropathy.”
تعرف كيتي جيداً ما معنى أن تتحمل هذا الكم من الألم من دون أن تنجح كل الأدوية والعلاجات المتبعة في تخفيف حدته. كان عليها أن تحاول كل شيء ولكن كما تقول “لم تخفف كل هذه الأدوية المهدئة والمسكنة من هذا الوجع الذي يجتاج جسدي، حتى أنني أضطر في أحيانِ كثيرة إلى الذهاب إلى الطوارئ حتى أحصل على المورفين عبر المصل لكي أرتاح ولو قليلاً من هذا العذاب”.
كيتي على يقين أن مرضى السرطان متروكين لله، فلا احد يسأل عنهم وشركات التأمين تتخلى عن المريض عند معرفة حالتهم الصحية، أما الضمان عاجز عن تحمل كل هذه التكاليف. برأيها “علينا أن نموت كل يوم مئة موتة، أحتاج إلى 30mg من المورفين يومياً ولكن منذ أسبوعين أعاني حدّ اليأس من ايجاد حبة دواء تخفف هذا الحمل الثقيل. لا أحد يصدق إلى أين وصل مريض السرطان في معاناته، نحاول كمرضى سرطان التخفيف عن بعضنا من خلال تأمين أو تبادل أدوية موجودة لدينا، حتى إننا نتشارك حبة الدواء لأننا نعرف معنى الوجع والذل”.
وتُشبه كيتي مرضى السرطان فيه لبنان “بالمدبوغين” فهم معرفون بالإسم والعمر ونوع السرطان في وزارة الصحة ولكنهم محرومون بالوقت نفسه من أدنى حقوقهم وهي تأمين أدويتهم لمواجهة السرطان. نحن نقاوم وننذل لتأمين حبة المورفين ومعلقين بين الحياة والموت، ولا أحد قادر أن يأخذ حقنا. لقد تعرضتُ لخطأ طبي وأنا أدفع ثمن ذلك.”
على صحفتها على “فايسبوك” كتبت كيتي “كيف حالي الأن؟ أشلاء تقاوم وأجزاء انهارت تماماً ، ساعدني يا رب”.
اختصرت كيتي وجع مئات المرضى الذين يتحملون عذابات تفوق قدرتهم على التحمل، بعضهم أسلم الروح بوجع لأنه لم يجد “المورفين” لتخفيف من عذاب رحلته، والبعض الآخر يصرخ وحيداً في منزله من دون أن تنجح كل هذه الصرخات من هز عرش السلطة وأزلامها.
يحارب رئيس جمعية “بربارا نصار لدعم مرضى السرطان” هاني نصار مع قلائل في وجه الفساد المستشري والظلم الحاصل في القطاع الصحي، خصوصاً في ملف السرطان. يؤكد لـ”النهار” أن مئات المرضى يصرخون في بيوتهم من الوجع لأن أدوية #المورفين مقطوعة والحالة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. منذ أسبوعين، انقطعت أدوية المورفين بمختلف العيارات من الصيدليات وهي موجودة فقط في المستشفيات حيث يضطر بعض المرضى القادرين إلى الحصول عليه برغم تكلفة الاستشفاء”.
نحن نتحدث عن مختلف أدوية المورفين التي تعطى للمريض خصوصاً الذين تكون حالته متقدمة وفي المرحلة الرابعة، وللأسف هذه الأدوية مثل MST 10MG,30,60,100MG، وACTISCENAN 5,10,30MG وOXYCODONE 5,10,20MG وTARGINACT 10,20,40MG وPATCHES (durogesic) كلها مفقودة وغير متوفرة في الصيدليات، وبرأي نصار أن “الدواء من عيار 100mg وصل بكمية محدودة لا تتعدى الـ25 علبة ولم يتبقَّ منه شيء، في حين أن العيارات الأخرى لم تتوفر أصلاً. وتنتظر الشركة المستوردة موافقة وزارة الصحة حتى تستورد كمية جديدة. والمشكلة في هذه الأنواع من الأدوية أنها تستغرق وقتاً أطول مقارنة بالأدوية الأخرى لأنها مدرجة ضمن الأدوية المخدرة، في حين يدفع المرضى ثمن هذا التأخر أو عدم توفره من عذابات قوية وقاسية على اجسادهم”.
أما العائق الأكبر يتمثل في أنّ الوصفة الطبية التي يحصل عليها المريض من طبيبه تحتم عليه شراء الدواء كما مكتوب. على سبيل المثال اذا كان المريض بحاجة إلى دواء من 120 حبة عيار 30mg ووجد في الصيدلية دواءًا مؤلفًا من 60 حبة من عيار 30mg يتعذر عليه الحصول عليها لأنها لا تتطابق الوصفة الطبية. ويضطر إما إلى تغيير الوصفة أو البحث في صيدلية أخرى لديها طلبه. ولكن المبكي اليوم أن الدوية بكل عياراتها مقطوعة”.
المصدر : ليلي جرجس – النهار