طبيب لبناني دخل غرفة العمليات ليس لإجراء عملية بل واهبًا كليته لشاب أنهكه المرض فخرجا منتصرين!
أراد وضع حد لمعاناة شاب أنهكه المرض، فاتخذ قراره بوهبه كليته. من دون أن يرف له جفن أقدم على خطوته، غير آبه بالأوجاع التي قد يواجهها وتعريض حياته للخطر. هو الدكتور شوقي يونس، الذي هزت انسانتيه كل من علم بقصته، لا سيما بعد ان كتب فصلها الأخير بدخوله مع الطالب محمد سليم غرفة العمليات في مستشفى “اوتيل ديو”، قبل ان يخرجا منها منتصرين على المرض.
انتصار “النحن” على “الأنا” بعد قليل أدخل غرفة العمليات كلمات لا بد منها..
الى والدتي وزوجتي وولدي وإخوتي ورفقائي وأصدقائي وزملائي وأهل بلدتي جميعاً.
أشكركم جميعاً وأشكر كل من وقف الى جانب هذا العمل سواء بالكلمة او الموقف او إسداء عمل ما .. بالنسبة لي هذا اليوم هو يوم انتصار ، انتصار “النحن” على “الأنا” انتصار نحن الحياة على انا الموت ، نحن القيم ، قيم الحق والخير والجمال والعطاء والتكافل والتعاضد الاجتماعيَيْن على أنا الفرد ، أنا ، القبح والشر والباطل ، الانتصار على الانانية الفردية التي قال عنها سعاده أنها اخطر من الاحتلال الأجنبي.
على مدى يومين تجلت محبتكم بأبهى صورها ، معلنةً أن الجميع متضامن على الخير وعلى قِيم الخير ، .. وإذا كنّا قد نجحنا سوياً في هذا الاختبار فإن الآتي من الأيام سيحمل لنا الكثير من الاختبارات التي تدعونا لان نكون متوحدين خلف مثلنا العليا وقيمنا الاجتماعية.
رحلة معاناة عائلة وكان محمد (16 عاما) بدأ رحلة معاناته مع مرض الكلى منذ ان بلغ الخمس سنوات، وبحسب والدته آمنة خليفة ” أجبر على غسل كليته قبل عامين، ثلاث مرات في الاسبوع كنا نقصد منطقة سن الفيل من بلدة الصرفند لاتمام عملية الغسل، اربع ساعات كان يبقى موصولا بالآلآت”. واضافت في حديث لـ”النهار”: “كان الدكتور شوقي المتزوج والاب لولد في عمر محمد على علم بتفاصيل قصة ابني، كونه جارنا وصديق زوجي، اتخذ قراره قبل عام بوهبه كليته، لينقذه من الالم والموت، في البداية رفضنا، فلم نرد ان يعرض حياته للخطر، أصرّ على الأمر، أجرى الفحوص المطلوبة، تبيّن ان في امكانه تحقيق رغبته، وبالفعل وفى بوعده”.
محمد الطالب في صف الاول ثانوي ووحيد والديه على اربع شقيقات ليس الوحيد الذي يعاني من مرض الكلى في عائلته بل شقيقاته الاربع كذلك مررن بالتجربة عينها، ولفتت خليفة الى انه” قبل اربع سنوات وهبت ابنتي الصغيرة غادة كليتي، كما وهب زوجي في السنة التالية كليته الى ابنتي الكبرى تغريد، وعندما تعب محمد لم نستطع ان نقدم له كلية، عندها عرض شوقي كليته، سنة حتى استطعنا اجراء العملية كون القانون اللبناني يمنع وهب الاعضاء من الغرباء، تنقلنا بين وزارات ولجان عدة حتى حصلنا على الموافقة، لتبقى ابنتي فاطمة (23 عاما) وسهام (25 عاما) تعانيان من المرض عينه”.
ولادة جديدة قبل ايام من اجراء العملية كتب شوقي “بوستا” في صفحته على فايسبوك عبر من خلاله عن نظرته لوهب الاعضاء والحاجة الملحة لها، وقال: “لماذا نقول لا لوهب الاعضاء، ألسنا على يقين ان وهب كلية مثلاً سيعيد طفل الى حضن أمه، وأباً الى كنف عائلته، وشباباً الى ربيع عمر انهكته الآلام المبرحة؟ ماذا ننتظر؟ تجمع الشرائع الدينية على ان الانسان هو المسؤول الاول عن حياته امام نفسه وامام الله الذي اودعه الحياة”.
لم يهب الدكتور شوقي كليته الى محمد فقط، بل وهبه حياة جديدة خالية من الاوجاع والآلآم، خطوة عظيمة لرجل كرّس معنى الانسانية، على أمل ان يكون مثالاً يحتذى به في لبنان، ليس فقط لانقاذ مئات المرضى الذين يذوقون الموت كل يوم، بل لاعادة الأمل لعائلات تعيش على حافة الحياة بسبب خوفها من فقدان احبائها.