عن خيبات أمل لا تنتهي.. آخرها قضية مارسيل غانم!
لم تُبق السلطات المتعاقبة في لبنان لهذا البلد من مزايا القوة ما يمكّنه من ادّعاء التميز؛ البيئة دمرت، السياحة معطلة، الخدمات المصرفية والطبية تراجعت، العلاقات الديبلوماسية باهتة.. والحريات محاصرة. افتتح العام 2017 وملف النفايات على طاولة الحكومة، وها هي الحكومة تودع العام والملف عالق من دون أن يجد حلاً. غير النفايات هناك الكثير الكثير من معالم الفشل وخيبات الأمل من الفساد والمحاصصة والصفقات والتجاوزات وكل ذلك يناقض أبسط مفاهيم المواطنة وبديهيات دولة القانون.
أمس استهلّ الرئيس سعد الحريري جلسة الحكومة بمداخلة مسهبة عدد فيها الإنجازات التي استطاعت الحكومة تحقيقها في خلال السنة التي تزامنت مع عمر الحكومة، “كالمراسيم الخاصة بقطاع النفط، وإقرار قانون الانتخاب والتعيينات الدبلوماسية والإدارية والتشكيلات القضائية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى انتصارات الجيش على الإرهاب وحماية البلد من حرائق المنطقة عبر النأي بالنفس”، لكن، إلى كون كلّ من ذكر هو من أبسط واجبات أي حكومة، لم يذكر الحريري أزمة النفايات العالقة من سنوات من دون أن تجد حلاً لا يدمر البيئة ولا يهدد الصحة العامة، ولم يشر إلى سلسلة الرتب والرواتب التي أنصفت فئة وظلمت فئات، ولا إلى صفقة بواخر الكهرباء، والاتصالات، والغاز وغيرها التي انتقدتها أطراف في السلطة قبل غيرهم، ولا إلى أزمة الحرية التي تذكر بأزمنة يجهد اللبنانيون سعياً لنسيانها.
هكذا لا تمكن فصل قضية الإعلامي مارسيل غانم عن سياق أكبر. عن خطوات سبقتها، وأخرى ستليها، تثبت أن السلطة تضيق ذرعاً بالإعلام الحرّ، الذي يميز لبنان، وتنزعج من كل صوت لا يوافق هواها. وإلا كيف يمكن تبرير القول أنه لا يمكن استضافة أو استصراح معارضين سياسيين أو محللين سياسيين لا تتوافق آراؤهم مع سياسات العهد ومصالح الحاكمين؟!! ثم إن الانتقائية الحاصلة تجعل من السؤال عن التمنع عن استجواب أو إحضار كثيرين جداً ممن اتهموا، أو روجوا، أو هددوا وتوعدوا واساؤوا لعلاقات لبنان العربية والخارجية، وعن آخرين أحرقوا محطات تلفزيونية وصحفاً، سؤالاً ضرورياً، وكذلك عمن اشبعوا الشاشات كلاماً عن صفقات وفساد وظلّ كلامهم كلاماً من دون أن يسجلب تحقيقاً أو استدعاءات؟! وكل ذلك لا يلغي أن مقام الرئاسة محترم وموضع ثقة وتقدير واجبين.
ما يزيد الأمر خطورة أن البلد مقبل على انتخابات حساسة، ولجوء السلطة إلى التضييق على الإعلام عشية هذا الاستحقاق يشي بأنها تبعث برسالة إلى معارضيها بأن يدها طليقة في التصرف والملاحقة والتضييق.
ليس ترفاً التنديد بإجراءت القمع والدفاع عن الحريات العامة، وحرية الإعلام خصوصاً، ليس بحق غانم فحسب بل بحق كل صحافي أو سينمائي أو شاعر أو مبدع، لأن ذلك دفاع عن حرية لبنان، وموقعه ورسالته وقوته… وقبل كل ذلك عن دستوره وقوانينه التي صانت الحريات وجعلتها في مرتبة فوق الحسابات الضيقة والخاصة. ولبنان الحر الذي دفع أثماناً وقاوم الوصايات والاغتيالات وممارسات التخويف والترهيب قادر على البقاء والاستمرار… وسيبقى حراً.
احمد الزعبي