عن كلفة النزوح.. العائدات أكبر أم التكاليف؟
لا ينفك وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل يعلي الصوت تحذيراً من الأبعاد الكارثية لوجود النازحين السوريين على لبنان، وهو سبق أن أعدّ خطة بهذا الشأن للعرض على مجلس الوزراء، ومثله فعل وزير الاقتصاد رائد خوري الذي يتحدث، نقلاً عن تقرير للبنك الدولي، عن “أرقام مخيفة” تتعلق بكلفة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للنزوح السوري على الاقتصاد واليد العاملة وسائر الخدمات الأخرى، والتي بلغت 18 مليار دولار منذ العام 2011، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة في صفوف اللبنانيين إلى 30 بالمائة، فيما فاقت اليد العاملة السورية للنازحين 384 ألفاً.
وتردد أن لجنة وزارية ستنعقد هذا الاسبوع لبحث ملف آليات عودة النازحين، وسيكون أمامها مقاربتان، الأولى لباسيل الذي يطرح ضرورة توفير كل الظروف لعودة آمنة لهؤلاء بعد ما تمّ تأمين مناطق خفض التوتر في سوريا بنسبة تصل الى حولى 80 في المائة من الأرض السورية. أما الثانية فلوزيري الداخلية نهاد المشنوق ووزير شؤون النازحين معين المرعبي، اللذين لا يريان مانعا من عودة هؤلاء النازحين، شرط ان تكون آمنة، وفي ظل رعاية مباشرة للأمم المتحدة، معتبرين ان الحدود مفتوحة لمن يرغب بالعودة، لكنهما يمانعان في إرغام النازحين على العودة.
ثمة من يقول إن الحملة على اللاجئين السوريين من جانب أطراف معينة تهدف إلى استعادة العلاقات مع النظام السوري بحجة فوائد كثيرة في مقدمتها التفاوض على اللاجئين، فيما يرفض الفريق الثاني بشدة مجرّد فتح قناة تواصل ثانية مع النظام، لكنه يرى ان لا مانع من استمرار التواصل القائم حاليا عبر قناة الأمن العام اللبناني، وما بين الرأيين هناك من يتخوف من تنامي خطاب الكراهية اللبناني ضدّ النازحين السوريين، في ملف هو بلا شك ضاغط ومعقد ومفتوح على كل الاحتمالات.
وإزاء تخبط أطراف السلطة في متاهات هذا الملف، لا مناص من الاعتراف بأن تصويت لبنان في انتخابات الأونسكو مؤخراً ترك ندوباً على حماسة فرنسا ودول الخليج ومصر في مساعدة لبنان اقتصادياً لتحمل أعباء النزوح، ودع عنك كل كلام ديبلوماسي لا يسمن ولا يغني.
ثم إن إدارة هذا الملف من بداياته تشوبه غوامض وتناقضات وذهنية الاستغلال والإسفادة السريعة ولو على حساب مأساة المظلومين والهاربين من الجحيم، من خلال: التباين الكبير في موضوع إنشاء مخيمات على الحدود والسماح بانفلاش الكتلة النازحة في معظم المناطق اللبنانية من دون أي ضوابط، غياب أي خطة اقتصادية للاستفادة من قدرات النازحين الانتاجية، على غرار ما فعلت تركيا من خلال استيعاب ما يمكن استيعابه من كفاءات وحرفيين ويد عاملة في أماكن الحاجة إليها، بعيداً عن إغراق بعض المناطق أو الأسواق أو القطاعات بشكل أثّر سلباً على العامل اللبناني، وزاد من معدلات البطالة والفقر، كما رتّب ظهور بعض الشواذات كعمالة الأطفال المنتشرة بكثرة في أماكن وجود النازحين، ناهيك عن الاقتصاد الأسود المتمثل بتبييض الأموال وتجارة الأعضاء والدعارة وغيرها وكل ذلك يَشي بمافيات كبيرة ومتحكمة ومستفيدة، ومن دون شك تحتمي بشركاء لبنانيين يؤمنون لها التغطيات اللازمة.
وقد يكون من أهم الأمور النافرة أيضاً غياب الشفافية والرقابة في موضوع تلقي وتوزيع المساعدات، وانتشار الجمعيات وتعدد الجهات التي تتعاطى بشؤون النازحين من دون حسيب أو رقيب، وكل ذلك أثّر سلباً على النازحين أنفسهم، كما انعكس على علاقتهم بالمجتمعات المضيفة.
سواء أعقدت اللجنة الوزارية اجتماعها أم لا، الملف بعائداته وتكاليفه وتبعاته حساس ويحتاج اجتراح حلول مؤسساتية واعية بعيدة عن المزايدات الانتخابية، أو المصالح أو العنصريات. هذا الملف كغيره من الملفات الضاغطة لا مجال للعب فيها، فالظروف تغيرت ومفهوم اللجوء أو النزوح تبدّل كثيراً عما كان عليه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهنا لا ينبغي لوم من يقول إن النازحين صاروا عبئاً ديموغرافياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً على لبنان.