فوضى السوق اللبناني | سلع مصنعة محلياً أغلى من المستوردة؟!
منذ بداية الأزمة الإقتصادية في العام 2019، طُرحت في الأوساط المحلية الكثير من النظريات حول ضرورة دعم الصناعات المحليّة، على قاعدة أنها الطريقة الوحيدة القادرة على وقف النزيف بالعملات الصعبة، الأمر الذي دفع بغالبية المواطنين إلى تشجيع الصناعات اللبنانية، نظراً إلى أن الإستمرار في نمط العيش الماضي لم يعد ممكناً، لكن المفاجأة كانت في مكان آخر.
جولة صغيرة في الأسواق اللبنانية قادرة على إثبات معادلة ليس من السهل فهمها، تكمن بأن القسم الأكبر من المنتجات المحلية يفوق سعرها تلك المستوردة أو يوازيها، رغم أن الجودة لا تزال أقل في معظم الأحيان، الأمر الذي من المفترض أن تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام.
في هذا التقرير سوف نستعرض عينة بسيطة عن مجموعة عشوائية من السلع، من أجل الإشارة إلى ما يحصل في هذا المجال، فعلى سبيل عبوة غسيل ملابس من ماركة “persil” (power gel 3l) يبلغ ثمنها 88350 ليرة لبنانية، بينما السلعة نفسها من إنتاج شركة “sanita” يبلغ ثمنها 82495 ليرة، في حين أن عبوة “coffe mate” من انتاج شركة “nestle” يبلغ ثمنها 90500، يوازيها أخرى من انتاج شركة “taj” بسعر 81750 ليرة.
ضمن العينة نفسها يمكن الإشارة إلى أن عبوة شامبو من ماركة “elegance” يبلغ ثمنها 35000 ليرة يقابلها أخرى من ماركة “sunsilk” من انتاج مصر يبلغ ثمنها 27000 ليرة، كما أن علبة مارتديلا من ماركة هنية (حجم وسط) من انتاج تركيا يبلغ ثمنها 16000 ليرة، يقابلها أخرى من ماركة تغذية بسعر 27000 ليرة، بينما علبة سردين من ماركة “marina” من انتاج أندونيسيا يبلغ ثمنها 14000 ليرة، مقابل أخرى من انتاج لبناني “white bell” يبلغ ثمنها 16000 ليرة، كما أن الفارق بين عبوة مايونيز من ماركة “burcu” التركية وأخرى من تعبئة مؤسسة تجارية لبنانية لا يتجاوز 400 ليرة.
في حديث لـ”النشرة”، يشير رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو إلى أن الأسعار في السوق اللبناني لا تتبع أي منطق أو أي عرض وطلب، حيث تسيطر الفوضى الشاملة التي تفتح الباب أمام مراكمة ثورات هائلة، ويؤكّد أن السلع المحلية من المفترض أن تكون أرخص بشكل كبير لأن المستوردة تستخدم العملات الصعبة، بينما المحلية رغم إرتفاع تكاليف المواصلات والطاقة تستفيد من إنخفاض الرواتب والأجور.
في المقابل، يوضح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، في حديث لـ”النشرة”، إلى أنه من حيث المبدأ لا يجب أن تكون هناك أي سلعة مستوردة أرخص من تلك المصنعة محلياً، إلا إذا كانت قادمة إلى لبنان عبر التهريب من سوريا، أو من تركيا التي تواجه إنخفاضاً كبيراً في سعر صرف عملتها، من دون تجاهل أن كلفة التصنيع في مصر أيضاً منخفضة، إلا أنه يدعو أيضاً إلى التمييز بين أمرين: السلع المنتجة بشكل كامل في لبنان أو تلك التي يتم تعبئتها فقط، نظراً إلى وجود ماركات عالمية تُعبّأ في لبنان.
ويؤكد بكداش أن 80% من السلع المصنّعة محلياً هي أرخص من تلك المستوردة من الخارج، لكنه يشير إلى بعض المعايير غير المنطقيّة التي تؤثّر في هذا المجال، منها على سبيل المثال أنه في حال أراد مصنع لبناني إستيراد عبوات فارغة من الخارج يكون عليه دفع ضرائب عليها، بينما في حال كانت هذه العبوات تحتوي على سلع غذائية لا تدفع عليها أي ضرائب.
من وجهة نظر برّو، الفوضى والإحتكارات وغياب الدولة ظواهر لا يمكن معالجتها إلا عبر تغيير حقيقي في البلاد، ويشير، على سبيل المثال، إلى أنه عندما ينخفض سعر صرف الدولار لا تنخفض الأسعار. لكن الأخطر يبقى السلع المتدنيّة الجودة الموجودة في السوق المحلي، الأمر الذي يعيده برو إلى أن التاجر اللبناني “إنتهازي”، ويؤكّد أنّ هذا الواقع قائم منذ ما قبل الأزمة الحاليّة، نظراً إلى أنه يبحث دائماً عن تحقيق الربح الأعلى.
أما بكداش، فيلفت إلى أن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الإقتصاد والتجارة، لكنه يشير إلى أنّ عدد المراقبين قليل جداً، ويعطي مثالاً على ذلك حادثة حصلت معه شخصياً حول شكوى تقدم بها عن وجود قرطاسيّة مهربة من سوريا إلى لبنان لم يتمّ التعامل معها، بينما هو في حال أراد التصدير إلى هناك عليه دفع ضرائب تصل إلى حدود 17%.
في المحصّلة، بين غياب مسؤولية الدولة وجشع بعض عصابات التجّار يدفع المواطن، سواء من خلال إرتفاع الأسعار الجنوني أو غياب الرقابة التي تحميه من السلع ذات الجودة السيّئة، الثمن، من دون تجاهل أنّ الغالبية تعتمد سعر صرف للدولار يفوق ذلك الفعلي، بحجّة حماية نفسها من التقلّبات، التي ليس هناك من يحمي اللبناني منها.
المصدر : ماهر الخطيب – النشرة