قلب الطفل الرضيع لم يجد طبيبا يداويه في لبنان فأسلم الروح…. !!
“تحت عنوان “وفاة 4 أطفال في أسبوعين بسبب عدم وجود جرّاح قلب متخصّص للأطفال في لبنان… الكارثة!”، كتبت ليلي جرجس في النهار:
لم نكن نتصوّر يوماً أن نكتب خبراً مفجعاً بهذا السوء، وأن نُحصي عدد الأطفال الصغار الذين توفّوا نتيجة عدم وجود جرّاح قلب متخصّص للأطفال لإجراء الجراحات اللازمة. نعم، في #لبنان، توفّي 4 أطفال صغار في أسبوعين فقط نتيجة تعذّر وجود جرّاح قلب متخصّص في لبنان، بعد أن هاجر الأطبّاء الأربعة إلى دول مختلفة بعد الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلد.
نعم، في لبنان فُجعت 4 عائلات بخساراتٍ متتالية لأطفالهم، لأنّه لا يوجد طبيب جرّاح قلب لمعالجة تشوّهات قلوبهم الضعيفة. لا يمكن أن يمرّ هذا الخبر مرور الكرام، كيف يمكن السكوت عن هذه الكارثة التي ما زالت تهدّد حياة أطفال آخرين، في حين يحاول أحد الجرّاحين القدوم كلّ أسبوع لإجراء الجراحات الطارئة والسفر أسبوعياً بين فرنسا ولبنان، حتّى يُنقذ ما يمكن إنقاذه.
يُطلق الاختصاصيّ في أمراض قلب الأطفال والتشوّهات الخلقيّة في مركز بيروت للقلب الدكتور ناصر عودة صرخة موجعة عبر”النهار”، شارحاً الواقع المأساويّ الذي يرزح تحته كلّ الأطفال الصغار والخدج الذين يعانون من مشاكل قلبيّة خلقيّة أو بعد الولادة. يقول “يوجد في لبنان 4 مراكز لجراحة القلب عند الأطفال، وهي مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت ، مستشفى أوتيل ديو، مركز بيروت للقلب ومستشفى حمود في صيدا. منذ 5 أشهر تقريباً غادر جرّاح القلب في مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور عصام الراسي لبنان، وليس له بديل في المركز.
وفي شهر كانون الأوّل، سافر جرّاح القلب في مستشفى أوتيل ديو، وكلا الجرّاحين في مستشفى الجامعة الأميركيّة وأتيل ديو بالإضافة إلى مركز بيروت للقلب يعالجون الأطفال في مستشفى حمّود- صيدا. ولم ببقَ سوى جرّاح القلب في مركز بيروت للقلب الدكتور يحيى جسّار، الذي قرّر منذ حوالى الأسبوعين مغادرة لبنان والانتقال إلى فرنسا مع عائلته. إلّا أنّه لن يغادر نهائيّاً وسيبقى يتردّد بين لبنان وفرنسا لإجراء الجراحات الطارئة والضروريّة.
ونتيجة سفر آخر جرّاح قلب للأطفال، بقي لبنان وفق عودة “من دون جرّاح قلب أطفال لمدّة أسبوعين، وكان هناك عدد من الأطفال بحاجة ماسّة إلى عمل جراحيّ، بالإضافة إلى ولادة أطفال بحاجة إلى عمليات طارئة، ما أدّى إلى وفاة 4 أطفال علمنا بهم، وآخرهم كان بالأمس الأوّل، حيث كان وضعه حرجاً وحالة الرئتين ضعيفة”.
ويشرح عودة أنّ هناك “أطفالاً يولدون بتشوّهات خلقية، وهم بحاجة إلى عملياّت جراحيّة طارئة، وهناك أطفال لديهم مشاكل في القلب وينتظرون لفترة طويلة بسبب غياب الجرّاحين المختصّين في القلب لهذه الفئة. وهذا النقص الفاضح ينعكس بشكل كبير ويؤثّر على نتيجة الجراحة حيث أنّ بعضهم يموت بسبب الانتظار الطويل أو حالته الصحّية السيّئة.”
هذا بالنسبة إلى الجانب الطبّي، أمّا الجانب المادّي فالحالة مأساويّة، ويستشهد عودة قائلاً “هناك طفلة تبلغ من العمر 9 أشهر بحاجة إلى جراحة قلب، ولا يمكن لعائلتها تحمّل تكلفة العمليّة حيث استغرقت حوالى 3 أشهر لتأمين المبلغ. وبعد دخولها إلى المستشفى في ساعة واحدة توقّف قلبها قبل يوم واحدة من جراحتها.
المشكلة في الوقت، إذ لا يمكن لمثل هذه الحالات أن تنتظر كثيراً، ناهيك عن الفروقات الماليّة الباهظة التي يتوجّب على الأهل تأمينها. إذ تبلغ كلفة جراحة القلب ( معدّات- عناية فائقة- أجرة الطبيب…) حوالى 150 مليون ليرة ككلفة وسطيّة، وهناك أرقام كبيرة جدّاً حسب كلّ مركز، والضمان ما زال يدفع على سعر الـ1500 ليرة، والشركات تطالب المستشفيات بدفع “الفريش” دولار مقابل المستلزمات والمغروسات الطبيّة، والطبيب غير قادر على سدّ هذه الثغرات ويدفع المريض ثمن كلّ هذه الفوضى.
ويصف عودة الوضع “بالمأساويّ، ما يجري اليوم كارثة إنسانيّة ويجب أن تكون بمثابة دقّ ناقوس الخطر والبحث عن حلول جذريّة لسدّ هذه الثغرات. ليس لدينا سوى جرّاح واحد لقلب الأطفال ينتقل بين لبنان وفرنسا وليس حاضراً بشكل دائم.
ما يحزن اليوم أنّه لو توفّي الطفل على رغم كلّ الجهود المبذولة، نقول أنّه قضاء وقدر، ولكن أن يموت الأطفال لأنّه لا يوجد جرّاح قلب متخصّص للأطفال، فهذه كارثة وواقع صعب لا يمكن السكوت عنه.
في حين يستذكر نقيب الأطبّاء في لبنان الدكتور شرف بو شرف مع “النهار” عمله في مرحلة سابقة مع “الوزير السابق مروان حمادة خلال تولّيه وزارة الصحّة سابقاً، حيث قمنا بحصر عمليّات القلب عند الأطفال في مستشفيات جامعيّة متخصّصة تتمثّل بالمركز الطبّي في الجامعة الأميركيّة في بيروت، مستشفى أوتيل ديو، مركز بيروت للقلب، مستشفى الروم ، مستشفى رزق ومستشفى حمّود. ولكنّ نتيجة الوضع الاقتصاديّ الصعب، اضطرّ 4 أطبّاء (مجموعهم 10 في لبنان)، متخصّصين في أمراض القلب وجرّاحي القلب عند الأطفال إلى مغادرة لبنان”.
شارحاً أنّ “ما يجري اليوم يمكن تلخيصه بالآتي تأجيل الحالات التي لا تستدعي جراحات طارئة إلى حين قدوم أحد الجرّاحين اللبنانيين في الخارج، وتجهيز كلّ الإجراءات اللازمة لإجراء الجراحة عند قدومه إلى لبنان، أو قدوم فرق طبيّة متخصّصة في عمليّات قلب الأطفال من دول أوروبيّة (فرنسا – تشيكوسلوفاكيا – رومانيا)، تتولّى الإجراء الطبّي بكلّ تفاصيله ومن دون مقابل مادّي”.
ويعترف بو شرف على أنّنا “أمام أزمة صحيّة والوضع حسّاس جدّاً، خصوصاً في الحالات الطارئة، وتعذّر وجود الجرّاحين في لبنان. كما هناك جرّاح آخر موجود في مستشفى رزق الدكتور حاتم الذي كان أوّل جرّاح أجرى عمليّة قلب مفتوح للأطفال، وما زال يعمل حتّى لو لم يكن بالزخم نفسه. الخوف أن ننتقل إلى وضع مأزوم أكثر، خصوصاً أنّ المستحضرات والمستلزمات الطبّية غير متوفّرة بالقياس المناسب للطفل، كما وأنّ الأدوية الخاصّة لأمراض القلب عند الأطفال غير متوفّرة بشكل دائم”.
نتفهّم الأسباب الجوهريّة التي دفعت بالطواقم الطبّية إلى الهجرة، إلّا أنّ الحالة الصحّية التي وصلنا إليها في لبنان تفرض على الجميع توحيد الجهود ومعالجة الثغرات وزيادة التعرفة الطبيّة للحدّ من مسلسل الهجرة التي يتوالى فصولاً مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة. أرواح الناس مرهونة بين “فروقات ماليّة تعجيزيّة” و”غياب المتخصّصين” وتكابر بعض المستشفيات على استقبال المرضى.