كانت تسعف الناس قبل أن تحتاج من يسعفها… هكذا انطفأت شمعة أمان
كانت تسعف الناس قبل أن تصبح بحاجة لمن يسعفها، بعدما تمكّن منها مرض السرطان وأنهك قواها. حاولت مقاومته، لكن في النهاية استشرس على جسدها النحيل؛ استسلمت له، أطبقت عينيها إلى الأبد ورحلت تاركة آمالها وأحلامها… هي أمان محمد خضر ابنة بلدة حرار العكارية، الشابّة الذكية، المتطوّعة في الصليب الأحمر.
اكتشاف “الخبيث”
يوم أمس رفعت أمان (22 عاماً) الراية البيضاء بعدما أتعبها المرض، على سرير مستشفى اليوسف الطبي سلّمت الروح، وبحسب ما قاله زميلها في الصليب الأحمر لـ “النهار” فإنّ “أمان انتسبت العام الماضي إلى مركز حرار، كانت في غاية النشاط، لم نكن نعلم بحالتها، إذ لم تبدو عوارض المرض ظاهرة عليها، لكنها كانت تعاني رشحاً مستمراً وارتفاعاً في حرارة جسدها؛ خضعت لفحوص أظهرت أنّ الخبيث أصابها في كليتها، أجريت عملية جراحية لها قبل نحو سنة لنزعها، من دون أن تعلم حقيقة ما يحصل، إذ لم يطلعها أهلها على مرضها، لكن عدم شفائها دفعها إلى إجراء بحث عبر الإنترنت، لتكتشف الحقيقة قبل ثلاثة أشهر”، وأضاف: “تقبّلت الأمر بكلّ إيمان، قائلة الحمد لله هذه حكمته”.
“ادعوا لي”
قبل فترة ساءت حالة أمان، ولفت زميلها: “لم يعد باستطاعتها أن تواظب كالسابق، حتى توقفت كلياً عن القدوم إلى المركز، لكن لم ينقطع تواصلها معنا، بل على العكس كانت دائماً تتصل بنا تطلب إلينا نقلها إلى المستشفى، لا سيما الفترة الأخيرة، فكل أسبوع نصطحبها مرتين؛ أنهكها المرض، لم تعد تقوى على المشي، فقدت الكثير من وزنها، قبل أن تدخل في غيبوبة نحو يومين لتفارق بعدها الحياة”.
في لحظة قُتل أملُ أمان (الحائزة إجازة جامعية في الحضانة) بالانتصار على المرض، ولفت: “كانت دائماً تطلب إلى أصدقائها أن يدعوا لها، في إحدى المرات نادتني باسمي، قالت ادعُ لي، لم أكن حينها أعلم ما تعانيه، وعندما عرفت بمرضها فهمت لماذا كانت تطلب الدعاء من الجميع. قبل وفاتها أمسكت يد زميلتها قائلة لها (ابقي معي، لا تتركيني)”، وأضاف: “خسارتها كبيرة للصليب الأحمر وكل من عرفها، لا كلمات تعبّر عن هول المصاب بفقدانها، فقد كانت تمتاز بأخلاق حميدة، لم تفارق الضحكة وجهها رغم أوجاعها”.
” في أمان الله”
أصدقاء أمان نعوها على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، منهم من كتب “أمام إيمانك أدركت ضعفي، نعم أتذكر اللقاء الأخير الذي جمعنا، وأتذكر تلك الابتسامة أيضاً، كما أنني أتذكر تلك الكلمات والنصائح جيداً (صلاتك قبل كل أعمالك، بالحجاب أنتي حتماً أجمل، يبقى العمل الصالح وتذهب كل الأشياء) … فعلاً ذهبت كل الأشياء وبقيت أعمالك وكلامك الطاهر!”، وكتب آخر “لقد رحلت من كانت في قمة الأخلاق الحميدة والنفس العزيزة والروح الطاهرة، رحلت وتركت في قلوبنا بصمة لذيذة لا تنسى أبداً وذكريات جميلة لا تمحى، لقد رحلتِ يا أختي أمان في أمان الله في أمان ربك الذي سوّاك فأحبك فاختارك لتكوني بجوار سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام”.