كورونا يفتك باللبنانيين | أسرّة العناية الفائقة ‘مفولة’ وفاتورة الإستشفاء الى ارتفاع ..كم بلغت!
بعدما “تراجعت” الإصابات اليوميّة بكورونا في لبنان إلى حدود العشرات فقط في حزيران الماضي، عادت لترتفع بشكل دراماتيكي، بحيث تخطّت الـ 3 الآف إصابة و15 وفاة في الساعات الماضية. الخطورة تزداد كلما اقترب موسم الأعياد، والسبب يكمن في التراخي، إذ لا إلتزام بالتباعد الإجتماعي والكمامة، خصوصًا أنّ “أوميكرون” الذي وصل مؤخرًا إلى لبنان لديه قوّة انتشار أكثر بست مرّات من المتحوّر “دلتا”. يُضاف إلى ذلك عدم إقبال اللبنانيين على التطعيم، والتأثر بنظريات المؤامرة والإشاعات، الأمر الذي يفسح المجال أمام المتحوّر الجديد للتفشي، وحصد المزيد من الأرواح.
بسبب كورونا فقدتُ صديقة شابة، ناشطة في الحقل الإجتماعي، رحلت في عزّ صباها وتركت أطفالها الثلاثة وهم بأس الحاجة للرعاية، وذلك بعد صراع طويل مع فيروس كورونا الذي أدخلها إلى العناية الفائقة لأسابيع، علمًا أنّها شابة تتمتّع بصحّة جيدة ولا تعاني من أيّ أمراض. سأسمح لنفسي بالبوح أنّ صديقتي كانت قد رفضت أخذ اللقاح، بحجة أنّها تتخذ كلّ الإجراءات اللازمة وتلتزم منزلها، ولكن وصلتها العدوى إلى بيتها بطبيعة الحال. في غرفة العناية حيث اشتدّت الآلام في الأيام الأخيرة قالت العبارة التالية “أول عمل سأقوم به في حال خرجتُ سالمة هو أخذ اللقاح” لكن مع الأسف فارقت الحياة.
وضع المستشفيات خطير
80% بلغت نسبة إشغال غرف العناية الفائقة في المستشفيات الخاصّة جرّاء إصابات كورونا، وفق ما أكّد لـ “لبنان 24” نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون. وفي رسالة للمستهترين قال “تعوا شوفوا شو عم بيصير بالمستشفيات، وضع المرضى غير الملقّحين مأساوي، عائلات بكاملها مصابة تصل إلى المستشفيات”. هارون يلفت إلى إجراء جيد تتخذه بعض العائلات قبيل الإحتفال بخطوبة أو مناسبة اجتماعية، بحيث يخضع جميع المشاركين لفحص pcr “هذا الإجراء يجب اتخاذه قبيل سهرة رأس السنة، سواء كانت السهرات في المنازل أو المطاعم، مع التشديد على وجوب أن يكون الجميع قد أخذ الطعم، وأن يتأكد من قرر قضاء ليلة رأس السنة في الأماكن العامة من اتخاذ المكان المقصود التدابير الإحترازية. الإلتزام ضروري، فأي موجة تفشّي بعد الأعياد لن تكون المستشفيات قادرة على استيعابها، هذا فضلًا عن الكلفة الماديّة الكبيرة على المريض والمستشفى، إذ تبلغ كلفة قضاء يوم واحد في العناية الفائقة بين 6 و10 مليون ليرة، ولأنّ مريض كورونا يحتاج لقضاء أيام وربما أسابيع عديدة، مجموع الكلفة باهض جدًّا”
لبنان على اللائحة الحمراء
الدكتور نزيه بو شاهين عضو اللجنة الفنيّة والعلميّة الخاصة باللقاح ومدير المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء، يتوقع زيادة كبيرة في نسبة الإصابات في الأسبوع الذي يلي الأعياد، إذا تبدأ الحالات بالظهور بعد حوالي خمسة أيام من الإصابة، ويكشف لـ “لبنان 24” أنّ بعض الدول بدأت بإدراج لبنان ضمن اللائحة الحمراء، أي البلدان التي تشهد نسبة عالية جدًّا في تفشي الوباء، وهو إجراء قد تستتبعه هذه الدول بمنع دخول قادمين من لبنان إليها.
غالبية الإصابات الخطرة لغير الملقّحين
بو شاهين أكّد أنّ ما بين 85 إلى 90% من الإصابات الموجودة في غرف العناية الفائقة تعود لمرضى غير ملقّحين، وبعضهم أخذ جرعة واحدة، أمّا الحالات المصابة والتي أخذت جرعتين فهي قليلة جدًا، وأصحابها يعانون من أمراض مناعيّة وربو حاد وأمراض أخرى.
فاتورة مريض كورونا 150 مليون ليرة
ليست فقط المستشفيات عاجزة عن استيعاب إصابات جديدة بكورونا، بحيث لم يتبقّ سوى عدد قليل من الأسرّة الشاغرة، فضلًا عن النقص الكبير في الطواقم الطبيّة والتمريضيّة بفعل الهجرة، بل الخطورة تكمن وفق بو شاهين بعدم قدرة المرضى في ظلّ الظروف الماديّة على دفع تكاليف العلاج، بحيث أنّ كلّ المستلزمات التي يحتاجها مريض كورونا من الأوكسجين وغيره هي بالفريش دولار، لأنّ الشركات لا تسلّم إلا وفق الدفع المُسبق وبالدولار.
“الليلة الواحدة في العناية تصل كلفتها إلى عشرة ملايين ليرة، في حين أنّ الجهات الضامنة وشركات التأمين لا تغطّي تكاليف وفروقات التعرفة، وتقع على كاهل المريض وحده، ويقدّر متوسط كلفة علاج المريض الواحد بين 100 و 150 مليون ليرة أقلّه، وهناك مرضى وصلت كلفة علاجهم إلى 270 مليون ليرة، لأنّهم مكثوا فترة طويلة في العناية. الأدوية أيضًا أسعارها مرتفعة جدًا، وبعضها غير متوفر. هذا فضلًا عن أنّ التعافي من كورونا لا يكون بأسبوع أو أسبوعين، بل هناك أعراض تستمر أشهر عديدة معروفة باسم long covid”.
المتحورات تولد في بيئة غير ملقّحة
“كلما خفت نسبة التطعيم في المجتمع، كلما شكّل ذلك أرضًا خصبة لولادة متحوّرات جديدة من كورونا، من هنا ظهر أوميكرون في أفريقيا حيث نسبة التطعيم لا تتعدّى الـ 4.6%” يقول د. بو شاهين “في لبنان لا زالت الغالبيّة غير مقتنعة بضرورة أخذ اللقاح. في البداية تأثّرت الناس بالإشاعات والمعلومات المغلوطة ونظرية المؤامرة، fake news فعلت فعلها في المجتمع اللبناني، والإعلام المضلل ساهم بتخويف الناس، بحيث تمّ تناقل هذه الإشاعات على نطاق واسع، وكانت السبب الرئيسي في إحجام الناس عن أخذ اللقاح”. دعوة من بو شاهين إلى اللبنانين لتفادي المزيد من المآسي وأخذ اللقاح، وعدم التسبّب بأذية الآخرين وربما بموتهم، كما أنّ كلفة الإستشفاء الباهضة ستحرم المئات وربما الآلاف من دخول المستشفى، فماذا تنتظرون؟.
بشأن المعلومات التي تتحدّث عن عدم قدرة اللقاحات على مجابهة المتحورات الجديدة يلف بو شاهين إلى أنّ “دلتا” و”ألفا” و”بيتا” لديهم طفرات من 6 إلى 9، هذه الطفرات على أساسها تمّ تصنيع اللقاح، عندما يصبح عدد الطفرات 32 كما هو الحال مع أوميكرون، بطبيعة الحال لا يغطي اللقاح سوى 9 من 32، لكن عندما تستنفر الأجسام المناعية بشكل كبير لتصبح بالمئات وبالآلاف ستتمكن من التصدي أسرع للطفرات، من هنا أهمية الجرعة الثالثة لتحفيز جهاز المناعة، وبالتالي اللقاحات الموجودة تشكّل حماية بنسب معينة للمتحورات، بدليل أنّ مرضى العناية الفائقة معظمهم من غير الملقّحين. كما أنّ شركات فايزر ومودرنا وأسترازنيكا، بدأت تعدّل باللقاحات لتناسب أعداد طفرات أوميكرون، وهذه اللقاحات ستكون جاهزة في آذار المقبل وفق المعلومات.
أيّها اللبنانيون تكفينا المآسي التي تلازم يومياتنا، لا تودّعوا مع العام أحباء وأصدقاء وأمهات وآباء، طالما أنتم قادرون على إطالة عمرهم باللقاح والكمامة.