لبنان على شفير هاوية حقيقية
كتبت بولا اسطيح في” الشرق الاوسط”: يواجه لبنان اليوم عدداً قياسياً من الأزمات، تجعل مواطنيه بحالة
صدمة، تفسّر عجزهم عن التحرك، كما فعلوا في تشرين الأول 2019 للإطاحة بالمنظومة الحاكمة. إذ تراهم
منهمكين بتأمين قوتهم اليومي ومقومات الاستمرار والصمود بعد فقدان معظمها نتيجة نضوب احتياطي الدولار
الأميركي لدى مصرف لبنان (البنك المركزي)، ما يهدّد بانهيار كل القطاعات، وأبرزها قطاع الطاقة والقطاع
الصحي… بعدما تلاشى معظم القطاعات الأخرى.
ويعتبر الدكتور ناصر ياسين، أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرف على
«مرصد الأزمة»، أن «الأزمة اللبنانية لا تشبه أي من الأزمات الأخرى التي شهدناها في العقود الماضية»،
موضحاً أنها «عبارة عن 3 أزمات كبيرة، مرتبطة الواحدة بالأخرى، الأزمة الأولى، أزمة الفجوة المالية المقدّرة
بنحو 3 مليارات دولار والمكونة من 3 أضلع؛ تعثر المصارف، وإفلاس مالية الدولة، وتراجع موجودات مصرف
لبنان. وهذه مجتمعة تشكل سابقة غير موجودة في أي دولة أخرى، ومن الصعب الخروج منها نتيجة صعوبة
إعادة تكوين الأموال، لأن الأضلع الـ3 متعثرة، ما يعني الحاجة الماسة لضخ أموال من الخارج».
أما الأزمة الثانية، بحسب ياسين، فتكمن في «الدور الذي يلعبه بعض الأفرقاء اللبنانيين في الإقليم، وارتباط
أحزاب وجماعات لبنانية بالصراع الإقليمي، ما أدى لازدياد العزلة الإقليمية وخسارة لبنان التحصين العربي،
حتى الحصانة الدولية. وحل هذه الأزمة يتطلب نقاشاً على مستوى وطني لتحديد دور لبنان والأفرقاء اللبنانيين
في الصراعات الإقليمية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التمعن بهذه المشكلة يجعلنا نفهم
لماذا لبنان متأزم أكثر وغير قادر على الخروج من الفجوة المالية الكبيرة التي يتخبط فيها».
ويصف ياسين الأزمة الثالثة، بـ«أزمة إدارة الحكم»، معتبراً أن «الحديث عن أزمة نظام تبسيط للمشكلة التي
تكمن بإدارة التعددية والاختلافات». ويضيف: «حق الفيتو مثلاً يعطل البلد منذ سنوات، ما ينعكس على كل
شيء وبخاصة على عجزنا عن التعاطي مع الأزمة المالية الاقتصادية كما التعاطي مع المجتمع الدولي وإدارة
قطاعات مهمة. فقوة الفيتو موجودة في أبسط الأمور كتعيين موظف، أو إنتاج كهرباء»، مشدداً على وجوب
حصول «نقاش وطني لتحديد من يلعب دور الحَكَم، الذي يفترض برأيي أن يلعبه رئيس الجمهورية فلا يكون
طرفاً. لكن للأسف ومع التركيبة اللبنانية الحالية وتنافس الجماعات بطريقة تعزّز سياسات الهوية، تحوّل الرئيس
طرفاً لا مرجعاً فوق الاختلافات بين الجماعات.