لبنان ينتظر مفتاح خلاصه البحريّ
تتخذ الدينامية في المنطقة منحى تصاعديا لافتا في التوقيت والمضمون. فخطوط التواصل العربي مع دمشق أخذت في الآونة الأخيرة الطابع العلني، علما انها لم تنقطع يوما بطابعها الأمني – الإستعلامي، الأمر التي ظلت القيادة السورية تتحفظ عنه، بالنظر إلى أنها ابتغت العلنية بإستمرار وبالطابع السياسي وليس الأمني فقط، وهو ما تحقق لها أخيرا بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان.
وجاءت الزيارة بعد أقل من شهر على اتصال هاتفي في 20 تشرين الأول بين الرئيس السوري بشار الأسد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وسبقه إتصال مماثل بينهما في آذار 2020 وضعته أبو ظبي، في حينه، في سياق مساعدة سوريا في دعم جهود مكافحة وباء كورونا.
كما كانت الإمارات العربية المتحدة قد أعادت فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول 2018، معلنة عودة بعثتها الدبلوماسية للعمل.
وسبق للرئيس السوري أن إتصل بالملك عبد الله الثاني، في 3 تشرين الأول، للمرة الأولى منذ عشر سنوات، بالتزامن مع إعادة فتح الحدود بين البلدين أمام حركة التجارة.
لكن المنحى العلني في التواصل الإماراتي – السوري ركد منذ إعلان عودة العلاقات الديبلوماسية، بسبب الرفض الأميركي زمن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الى حين زيارة وزير الخارجية الإماراتي، والتي جاءت في توقيت لافت.
أ-فهي تزامنت مع الحوار السعودي – الإيراني المجمّد راهنا في إنتظار مآل الحكومة العراقية الجديدة ورئاستها، وكيفية صرف حلفاء واشنطن فوزهم في الإنتخابات التشريعية الأخيرة.
ب-كما تزامنت العودة الإماراتية – العربية الى دمشق مع ما كُشف أخيرا عن وجود وثيقة للتطبيع العربي مع سوريا مع ملحق سري وضعتهما عمّان تتحدثان عن خروج كل القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوها بعد 2011، بما في ذلك انسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرق سوريا، ومن قاعدة التنف الأميركية. وقُرنت هذه الانسحابات بخطوات مقابلة تتضمن بداية الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، مع الاعتراف بالمصالح الشرعية لروسيا.
ج-ولا يُخفى ارتباط الإنفتاح العربي بالدينامية الروسية في المياه الأوسطية الدافئة. فموسكو تبحث بجدّ عن النفوذ السياسي تماما كما عن الحضور الإستراتيجي في ملف السلام في المنطقة وفي ملفات الطاقة وخطوط الغاز العابرة للقارات والجغرافيا والديموغرافيا والأيديولوجيا. والطاقة والسلام الإقليمي صارا متّحدين. لذا لا يزال لبنان يأمل في أن تحضر موسكو في بيروت على مستوى الإستكشاف النفطي (نوفاتك) وربط لبنان بخطوط النقل الإستراتيجية والإفادة من موقعه على المتوسط (روزنفت في البداوي)، كما على مستوى الترسيم البحري للحدود مع اسرائيل ومع سوريا، الى جانب مسألة إعادة إعمار مرفأ بيروت وخطوط النقل البري (سكك الحديد).
وسبق لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن أثار في زيارته موسكو في نيسان 2021، مجمل هذه المسائل مع وزير الخارجية سيرغي لافروف والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ومسؤولين في الدوما.
د-كما يتقاطع الانفتاح العربي على سوريا مع الاستثناء الذي منحته واشنطن (قانون قيصر) للبنان، واستطرادا مصر والأردن، من أجل تسهيل حصوله على مصادر الطاقة. ولا يخفى في هذا السياق الدور الكبير الذي تولاه الملك الأردني عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي لا يخرج عن سياق التموضعات الإستراتيجية الأميركية والروسية في المنطقة، وهو ما تتلمّسه العواصم العربية والخليجية وتجهد للتكيّف معه.
وتأتي في هذا السياق، زيارة المبعوث الرئاسي الخاص لإيران روبرت مالي الى المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل، والتي بدات الخميس وتستمر حتى 20 تشرين الثاني، للتنسيق بشأن مجموعة المخاوف التي تبديها الدول الأربعة نتيجة قرب استئناف المحادثات النووية مع إيران في فيينا، نهاية هذا الشهر، وبفعل التحوّل الكبير في الحرب اليمنية مع السقوط الإستراتيجي لمأرب.
يحدث كل هذا الحراك الإنعطافي، فيما لبنان غارق في سجالات الداخل، بحكومة معطّلة بقرار الثنائي الشيعي، وبتحقيق عدلي معلّق بقرار الثنائي نفسه. ولم يبقَ من نافذة أمل سوى ملف ترسيم الحدود البحرية. باتت هذه المسألة مفتاح الخلاص، إن أحسن المسؤولون التعاطي معها. وينتظر هؤلاء ما سيعود به الموفد الأميركي أموس هوكستين من تل أبيب من إجابات على الطرح اللبناني الذي سمعه في بعبدا. وهو طرح موضوعي يحفظ الحقوق، ومن غير المستبعد أن يلقى تجاوبا اسرائيليا.
المصدر : أنطوان الأسمر-vdlnews