لم يكن ينام لأسبوع كامل وطُرد من المدرسة بسبب حالته… هذه هي قصة أندريه !
المصدر : ليلى جرجس – النهار
كان أندريه ( 28 عاما) في الثالثة من عمره عند دخوله الى المدرسة، لكن بعد مرور 3 أشهر طرد منها. طلبوا من أهله استشارة طبيب اختصاصي لتشخيص حالته، فهو ليس كباقي أطفال صفه. تروي والدته رينا تفاصيل ما جرى بالقول “3 سنوات ونحن نجهل ما يعانيه اندريه، لم ينجح احد في تشخيص حالته الى ان سافرنا الى الولايات المتحدة واكتشفنا بعد اسبوعين من الفحوص والدراسات انه يعاني التوحد والنشاط المفرط. كان ذلك منذ 20 عاماً ولم يكن هناك توعية ووعي كما هي الحال اليوم. 3 سنوات كان بإمكاننا ان نخفف من أعراض التوّحد لديه ونباشر بعلاجه باكراً. التدخل المبكر في عمر السنتين يقدم فرصة للطفل ليكون في مدرسة عادية مع باقي الاطفال مع متابعة شخصيه له والتخفيف من الأعراض.”
لا تنكر رينا اننا “لاحظنا انه مختلف عن باقي الأطفال، لقد تأخر في الكلام، كان يتكلم ببغائياً ولكنه عاجز عن التعبير عن احتياجاته (الجوع، النوم، الوجع…) لديه ذاكرة سمعية إلا انه لا يملك اللغة التعبيرية، كنا بحالة ضياع نبحث عن أجوبة، بدأنا نقرأ ونسأل ونخاف اكثر. الغريب انه عندما خضع لفحص الدخول في المدرسة نجح في كل شيء إلا في فحص اللغة. لم يكن قادرا على اكتساب اللغة والاغاني وكان كثير الحركة والنشاط، لم يكن يجلس في الصف”.
هكذا بدأت المعاناة، 3 أشهر من الزيارات المتواصلة عند الطبيب من دون ان ينجح في تشخيص حالته. دراسات وابحاث ولم تعرف حقيقة حالته. وفق رينا “بحسب الأطباء اندريه لا يعاني شيئاً وانما المشكلة فينا، نحن نبحث عن خلل فيه والخلاصة الطبية: روحو لعبو معو”. هذا ما كنا نقوم به، إلا ان حالته تدهورت اكثر فأكثر. بدأتُ اقرأ الكتب واتواصل مع الخارج الى ان قررنا السفر الى الولايات المتحدة بعد ان رسب مرتين في صفوفه الإبتدائية. في أميركا، خضع اندريه لدراسة حالته لمدة اسبوعين مع فريق متعدد الاختصاصات، وتمّ تشخيص حالته وبقينا مدة سنة وتعلمنا كيفية التعامل مع حالته. كان سعيداً ويتقدم رويدا رويداً لكن اضطررنا للعودة الى لبنان في العام 1996″.
تتحدث والدته بتأثر كبير، ليس سهلاً عليها ان تسترجع كل تلك الأيام الصعبة، لقد مرّت بمحطات متفاوتة، شارحةً “يملك أندريه نقاط قوة كما نقاط ضعف، صحيح ان التوّحد لديه أعراض متشابهة لكن لكل حالة خصوصيتها، ما يناسب اندريه ممكن ان لا يناسب غيره. لذلك يجب معالجة كل شخص بمفرده للتعامل معه ومع قدراته وحالته، ووضع برنامج تربوي فردي خاص به . ساعده العلاج الحسي- الحركي وعلاج النطق وتعديل السلوك على التعبير، لكننا نواجه مشكلة في حركته المفرطة فهو لا يشعر بالخطر، ولا يمكن ان نغضّ النظر عنه لثوانٍ، يحتاج الى الانتباه على مدار الساعة”.
انتقل اندريه من مدرسة الى اخرى، لم يكن هناك مدرسة مناسبة لحالته، وفي العام 1999 انشأت مع مجموعة من الأمهات اللواتي لديهن اطفال مثل اندريه جمعية وانتخبت رئيسة لها لمدة 3 سنوات ونجحت في وضع برنامج للأطفال للإندماج مع باقي الأطفال. مرّ اندريه في حالة اكتئاب دفعت أهله الى إخراجه من المدرسة. تركت رينا الجمعية وبدأت البحث عن مدرسة تناسب ابنها الى ان وجدت مركزا ليس متخصصاً لحالات التوّحد إلا ان اندريه كان سعيدا فيه.
لا ينام
تواجه عائلة رينا أكثر من مشكلة في حالته، وأهمها كما عبّرت والدته “عدم النوم. كنا احيانا نضطر الى اعطائه دواءً، فبعض المتوحدين يعانون من مشكلة في النوم. في الماضي لم يكن اندريه ينام لمدة اسبوع كامل، وكانت مشكلة بالنسبة الينا واليه على حدّ سواء. لذلك اضطررنا اعطاءه دواء للنوم حتى يستكمل حياته وحياتنا بشكل طبيعي. من المهم جدا العمل مع المتوّحد، فكلما عملنا معه تحسن أكثر والعكس صحيح حيث يمكن ان يتحول من طرف توحد الى التوحد الشديد”.
برأي رينا “تتوافر اليوم اساليب متعددة للتعامل مع التوّحد، لكل طفل اسلوب خاص به. على سبيل المثال يكون العمل مع اندريه عبر التعليم الصوري وليس اللغوي”. لا تخفي رينا انها تواجه “صعوبة في تقبل المجتمع لطفل المتوّحد، يظن الناس ان هذا الطفل “غنوج” وقليل التربية نظراً لتصرفاته لأن التوّحد لا يكون في الشكل الخارجي. إذ يُظهر الطفل المتوّحد نمطية معينة ويكرر بعض حركاته، كما انه يصدر اصواتاً واحيانا يجلس على ارض ويصرخ في حال الأصوات العالية او كثرة الأضواء. عندما يرى الناس اندريه كانوا يرددون انه “مجنون” حتى حفظها اندريه وبدأ يقولها لنفسه، لا يمكن ان اصف لك ما تشعرين به في تلك اللحظة، انه امر مؤذٍ”.
وتختم والدته بالقول”نحتاج الى ان يتحول المجتمع من حاكم الى مجتمع مساعد، نحن بحاجة الى مساعدة للتعامل مع اولادنا. نحن بحاجة الى مساعدة الدولة في هذا المجال لا سيما ان تربية ومعالجة الطفل المتوّحد مكلفة جداً لأنه بحاجة الى متابعة حثيثة من اختصاصيين وخطوة خطوة”.