لهيب الأسعار يُغيّر عادات اللبنانيين!

رماح هاشم- نداء الوطن

تشهد الأسعار في الأسواق تفلتاً غيْر مسبوق سيّما ما يتعلق بموضوع الغذاء، وتحديداً في الفترة التي أعقبت العاصفة الثلجيّة مستبقةً فترة الصوم لدى الطوائف المسيحيّة والإسلاميّة، وهو ما انعكس سلباً على قدرات العائلات في تأمين متطلبات الصوم كما كل عام.

تعيش الأسر اللبنانيّة ضغوطاً اقتصاديّة بعد الانهيار الكبير الذي ضرب الاقتصاد اللبناني وأدّى إلى تدهور القدرة الشرائيّة لديها. فما هي المتطلبات الضروريّة والإمكانيات التي يجب أن تتمتّع بها الأسر لتتمكّن من الاستمرار؟

الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يُشير لـ “نداء الوطن” إلى أنه “في غضون سنة امتدّت من آذار 2024 حتى آذار 2025، ثبت سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. لكن، رغم ذلك، ارتفعت الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 18 و20%. بالتالي، الأسرة اللبنانية المؤلفة من أربعة أفراد باتت تحتاج إلى ما يتخطّى الأربعين مليون ليرة لبنانية شهريّاً بالحدّ الأدنى لتأمين العيش الكريم”.

ارتفاع كلفة مائدة رمضان

يستعين شمس الدين بشهر رمضان كمثل “إذ كانت كلفة طبق أساسي على السفرة الرمضانية مثل الفتوش تصل إلى 288،000 ل.ل. أما اليوم فتراجعت إلى 268،000 لأن أسعار بعض الخضار انخفضت. لكن، كلفة مائدة رمضان بالإجمال ارتفعت بنسبة 20% بحيث كانت السنة الماضية 1،500،000 ل.ل. أما كلفتها اليوم فبالحد الأدنى 1،800،000 ل.ل.”.

هذا الارتفاع يعود إلى أسباب عدّة، وفق شمس الدين، “منها الضرائب والرسوم التي فرضتها الحكومة عام 2024، الحرب، ارتفاع أجور النقل والتأمين وحتى غلاء أسعار بعض السلع المستوردة في مصادر إنتاجها الأساسية”.

وفي حال استمر الوضع الحالي، وفُرض المزيد من الضرائب والرسوم مع استمرار ارتفاع أجور الشحن والتأمين، فيفسر ذلك “بأن الأسعار في عام 2025 قد تشهد ارتفاعات كبيرة”.

مشكلة الرواتب والأجور

يلفت شمس الدين إلى أنّ “المشكلة أن الأسعار ارتفعت في حين بقيت الرواتب والأجور عند مستوياتها. حتى أن الدولة زادت رسوم الخدمات التي تقّدمها، فمثلاً اشتراك المياه ارتفع من 13.200.000 السنة الماضية إلى 16.200.000 هذه السنة، علماً أنها غير صالحة للشرب والأسرة تحتاج إلى ما بين 200 و600 ألف ليرة أسبوعيّاً كلفة مياه الشرب، هذا عدا عن الحاجة إلى طلب الصهاريج الخاصة في حال انقطاع مياه الدولة”.

باختصار، يؤكّد أن “كلفة الحياة ترتفع في ظل تراجع خدمات الدولة ولجوء المواطن إلى البدائل الخاصة. وهذه الأزمة تزيد الحياة صعوبة”.

ويكشف أنّ تقديرات الدولية للمعلومات “تُشير إلى أن دخل 70% من اللبنانيين لا يكفي لتوفير حاجات الحياة الأساسيّة ما يضعهم أمام خيار واحد من ثلاثة لتغطية كلفة المعيشة: بيع ممتلكاتهم، تحويلات خارجية من الأقارب، أو الحصول على مساعدات. عدا عن ذاك يعني أنهم يضطرون للعيش بالحد الأدنى الممكن وبحالة عوز شديد”.

تراجع الناتج الإجمالي للفرد

الخبير الاقتصادي باتريك مارديني يُوضح لـ “نداء الوطن”، أنّه “إذا قسمنا الناتج المحلي اللبناني بالتساوي على كل الشعب، يتبيّن أن الناتج الإجمالي للفرد في لبنان تراجع من 700$ شهرياً عام 2018 إلى 475$ شهريّاً اليوم”.

ماذا يعني ذلك؟ يُجيب أنّ “الناتج المحلي شهد انهياراً كبيراً جداً. قسم من الشركات الخاصة أقفل وسرح موظفيه، أما الشركات المتبقية فلا تحقق دخلاً كافياً لرفع الرواتب”.

ويُتابع مارديني: “كل ما تقدم يترجم بأن لبنان لا يستطيع زيادة الرواتب. إذا تم رفع الحد الأدنى للأجور أو أقرّت سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، ستكون النتيجة كارثية لأن الإنتاج المحلي غير كاف لتوفير هذا المدخول، وتغطية الزيادة بسبب الأزمة المالية التي أدت إلى انهيار الناتج المحلي بنسبة 60% تقريباً”.

لجهة الحدّ الأدنى للأجور، يرى مارديني أن “أخطر قرار مُمكن اتّخاذه في المرحلة الحالية هو ربط غلاء المعيشة بالرواتب والأجور التي ترتبط حصراً بقدرة شركات القطاع الخاص أو الدولة المالية على الدفع. الطرفان حالياً، الدولة والقطاع الخاص، غير قادرين على الدفع، وأي زيادة في الحدّ الأدنى للأجور ستؤدّي إلى تسريح عدد كبير من موظفي القطاع الخاص أو نقلهم إلى السوق السوداء أي عدم التصريح عنهم رسمياً في حال كانت رواتبهم أقل من الحد الأدنى، لأن لا قدرة لديها على رفعها، وبهذا نكون نقلنا الاقتصاد المحلي إلى الأسوأ وهو الاقتصاد الأسود. لذا من الضروري عدم التهور في هذا القرار”.

سلسلة الرتب والرواتب

أمّا من ناحية سلسلة الرتب والرواتب، فيوضح أنّ “الموازنة الأخيرة المقدّمة من الحكومة فيها عجز، أي أنّ مداخيلها أصلاً لا تكفي لتغطية مصاريفها، فماذا يحصل إذا تم رفع الراوتب؟ من أين سيتم تمويلها؟ لأن لا إنتاج كافياً في البلد لدعم هكذا قرار. وإذا تمّ ذلك عن طريق مصرف لبنان يعني أننا عدنا إلى هدر جزء أكبر من أموال المودعين الصغار، هذا إن كان لا يزال هناك أمل باسترجاعها. وفي حال كان الخيار الثاني هو تمويل زيادة الرواتب عبر طباعة مزيد من الليرة يعني انهيار أكبر لسعر الصرف”.

وينبّه مارديني إلى أن “كل الحجج المتعلقة بغلاء المعيشة والتسويق لزيادة رواتب وأجور القطاع العام هدفها السطو على ما تبقى من أموال. هؤلاء المسوقون عينهم على احتياطي المركزي الحالي وهو الـ 10 مليارات دولار المتبقيّة من أموال المودعين من أصل 90 ملياراً”.

الحلّ… والعلاج

يؤكّد مارديني أنّ “غلاء المعيشة موجود، لكن لا علاقة له بالرواتب والأجور وعلاجه مرتبط حصراً بإطلاق النمو عبر تفكيك الاحتكارات. مثلاً، انقطاع الكهرباء سببه الاحتكار ويؤثر سلباً على الصناعة، بالتالي الصناعيون لا يمكنهم التوظيف ودفع الرواتب، كذلك الزراعة بحاجة إلى ري والذي بدوره يتطلب كهرباء. وينطبق الاحتكار على الإنترنت الذي جعل خدمة الاتصالات رديئة ما يعرقل القطاع التكنولوجي ويؤثر على التوظيف والرواتب. يطال الاحتكار أيضاً شركات الطيران ما يجعل السفر إلى لبنان باهظاً ويخفّف من الحركة السياحية وزيادة مدخول القطاع”.

ويشدّد مارديني على أنّ “الحل الوحيد يكون بإطلاق النمو لزيادة الدخل الوطني الذي يسمح بزيادة الرواتب. أما إذا بقي الناتج متدنّياً، فإن أي زيادة، مهما كان نوعها، سيكون ضررها كبيراً على الاقتصاد، وتؤدي إلى تكبير عجز الموازنة العامة، زيادة البطالة والفقر وانهيار أكبر في سعر صرف الليرة”. خاتماً: “لا بد من الاتّعاظ من تجارب الماضي الفاشلة لسلسلة الرتب والرواتب”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى