ماتت في المصحة وهي تسأل: “هل وصلت النقود؟”
“هل وصلت النقود؟”، هذه آخر الكلمات التي رددتها سيرين بورماش (23 سنة)، قبل وفاتها، وهي تنتظر في أحد المستشفيات العمومية بتونس العاصمة.
سيرين بورماش، هي طالبة هندسة بالمدرسة الوطنية للعلوم الإعلامية بمحافظة صفاقس وتدرس في تونس العاصمة، وكانت تعاني نقصاً حاداً في الدم وهو مرض نادر، حسب تصريحات عائلتها.
اشتكت الشابة، التي تعيش بمفردها في سكن قرب الجامعة، باتصال مع أسرتها، أنها غير قادرة على اجتياز الامتحانات بسبب وضعها الصحي؛ ما جعل والدتها تسافر إلى تونس العاصمة من محافظة صفاقس (تبعد 400 كيلومتر) للاطمئنان عليها.
زاد وضع سيرين سوءاً؛ ما جعل والدتها تنقلها إلى المستشفى العمومي بالمدينة “عزيزة عثمانة”، ليلة الجمعة 12 مايو/أيار 2017، قبل أن ترفض مصحة خاصة إسعافها حتى ماتت، حسب تصريحات الأسرة.
قالت خالة الشابة، منية بوناق، لـ”هاف بوست عربي”، إن “حالة سيرين تدهورت مساء الجمعة؛ ما استوجب نقلها إلى المستشفى، الذي لم يتوافر فيه مكان لاستقبالها”. وتابعت المتحدثة أن إسعاف الحالة “اقتصر على تحليل للدم، وفيما لم تجد المريضة حتى سريراً لتنام عليه التحفت قطعة من البلاستيك لتنام عليها”.
وقال حسام بورماش، شقيق سيرين، لـ”هاف بوست عربي”، إن والدته لم تجد حلاً سوى نقلها إلى مصحة خاصة حتى تتمكن من إنقاذها، “لكنها صُدمت من شروط المصحة التي رفضت استقبالها قبل دفع 5 آلاف دينار (2000 دولار) أو إعطاء شيك بالمبلغ نفسه”، يقول حسام.
وتابع الشاب حديثه قائلاً: “نحن من عائلة متواضعة لا نملك هذا المبلغ وليس لدينا حساب بنكي”، وأضاف: “حاول أبناء خالتي إقناعهم، فعرضنا عليهم الإبقاء على شهادة إقامة ابن خالة سيرين في فرنسا كضمان ومفاتيح السيارة كذلك، لكن رفضوا وأصروا على دفع 5 آلاف دينار لإيواء سيرين”.
تقول الخالة إن العائلة تمكنت من جمع المبلغ من مجموعة من المعارف، وبينما كان أهل سيرين في طريقهم إلى مدينة تونس العاصمة تم إعلامهم أن سيرين لفظت أنفاسها الأخيرة بمستشفى عزيزة عثمانة.
وزارة الصحة تفتح تحقيقاً
أثارت حادثة وفاة سيرين سخط رواد شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ استنكر عدد من التونسيين ما قامت به المصحة، في حين دوَّنت الناشطة ألفة يوسف على صفحتها على الفيسبوك أن الطب أصبح مجرد وسيلة لجمع الأموال.
وقررت وزارة الصحة العمومية فتح بحث تحقيقي في ظروف الوفاة. وجاء القرار إثر اجتماع عقده رئيس ديوان وزيرة الصحة مرفوقاً بالمديرة العامة للصحة ومدير التفقدية الطبية بمجموعة من طلبة المدرسة المذكورة.
المصحة توضح
وللتوضيح بخصوص الاتهامات الموجهة للمصحة، اتصل “هاف بوست عربي” بهيام بن يوسف، مسؤولة في المصحة، والتي أكدت أن سيرين وعائلتها لم يتنقلوا إلى المصحة وإنما اتصلت إدارة مستشفى عزيزة عثمانة بإدارة المصحة لتستفسر عن وجود سرير شاغر فكانت الإجابة بـ”نعم”
وتابعت: “قلنا إن المصحة لا تقبل المرضى إلا بعد الحصول أولاً على الملف الصحي، وثانياً على دفع مبلغ مقدم قيمته 5 آلاف دينار، مؤكدة أنه مجرد هاتف، ولم تكن هناك محاولات للإقناع”، حسب تصريحها.
في حين أكدت مروى بوقمرة، كاتبة مدير المصحة، لـ”هاف بوست عربي”، أن هذا الإجراء معمول به، فديون المصحة بلغت 37 مليون دينار.
وكان آخر ما كتبت سيرين على حسابها عبر فيسبوك: “الحمد لله”، معبرة عن سعادتها لأن والدتها جاءت لزيارتها دون أن تعلم أنها المرة الأخيرة التي ستقابلها فيها.