‘مستشفيات رفضت استقبال طفلتها المريضة’…ورسالة الى وزير الصحة فراس ابيض | ‘معاليك طمنا عليك’
“نشر موقع المدن لصفاء عياد:
“نترككم للموت”. هو شعارٌ ترفعه الدولة أمام المواطنين، ومعها وزارة الصحة ووزيرها، والمستشفيات الحكومية والخاصة، ومؤسسة الضمان الإجتماعي، ونقابة الأطباء، وشركات التأمين، وقطاع الصيدلة أيضاً.
قبل عام ونيف، لم يكن لدي قلقٌ من الموضوع الإستشفائي، فأنا وإبنتي يسمى، نملكُ تأميناً صحياً يغطي كافة الأمور الطبية، من معاينة الطبيب في العيادة الخاصة، لدخول المستشفى، والفحوصات الطبية، وحتى كلفة الدواء. وهذه كانت نعمة، في البلد حيث اعتدنا ندفع بدلاً من الفاتورة فاتورتين في شتى الخدمات التي نحصل عليها.
قبل أسبوع، بدأت طفلتي تعاني عوارض الإسهال والتقيؤ والحرارة المرتفعة. في الساعات الـ24 الأولى، ظننّا أنه فيروس عرضيّ ربما التقطته من الحضانة. ثم اشتدت العوارض، فنقلناها إلى طوارىء مستشفى طراد، حيث أجريت الفحوص الطبية اللازمة وشُخصت بفيروس Adono، وهو فيروس مماثل لفيروس Rota، مع عوارض إضافية تختلف من طفل إلى آخر وقد تكون خطرة لبعض الأطفال. لم يُقصّر الكادر الطبي في تقديم العلاج اللازم، وكانت طبيبة الأطفال صريحة بالقول “العلاج سيعطي مفعولاً لمدة 12 ساعة، وفي حال لم تتحسن حالتها، عليكم بإدخالها المستشفى، لكن في مستشفى طراد لا طابق مخصصاً للأطفال، عليكم بمستشفى آخر”. عدنا أدراجنا إلى البيت وطوال الطريق كنا نهاتف شركة التأمين لمعرفة أي مستشفى يمكن أن نتوجه إليها بعد 12 ساعة لكن لا إجابة واضحة، فلكل مستشفى نظامها وفُروقاتها الطُبية التي تُدفع بالفريش دولار.
إنتهت الـ12 ساعة، وعدنا إلى نقطة الصفر، لكن مع بروز عارض صحي جديد. فقد توقفت يسمى عن التبول، ما يشير إلى حالة جفاف قوية في جسمها. مجدداً إلى طوارىء مستشفى نجار. وفقاً للبروتكول الطبي إستقبلنا طبيب الطوارىء، لكن الصدمة الكبرى كانت لحظة قوله: “أنا لا أفهم بأي موضوع يتعلق بالأطفال، كل ما يمكنني فعله هو تجهيز أوراق الدخول إلى طابق الأطفال، لكن أود إخباركم بأن لا طبيب أطفال في المستشفى لمتابعة وضع إبنتكم ولا حتى أطباء متدربين”. وقفت عاجزة. طلبت من والدها الخروج والتوجه إلى مستشفى أخرى، خوفاً من عدم متابعة وضع يسمى الصحي من قبل طبيب مختص. طبعاً، وبينما كنا مصدومين بتصرف طبيب الطوارىء، كان مكتب الدخول يطلب دفع 100 دولار أميركي كتأمين، ويعلمنا بأن هناك فروقات للفحوص تدفع بالفريش دولار أو على سعر صرف 8000 ليرة. وكل هذه المعلومات، من دون أن يقوم طبيب أو ممرض بلمس يسمى.
في الطريق إلى المستشفى الثالثة، رحت أتخيل طفلاً وضعه الصحي أخطر من حالة إبنتي، فكيف سيتصرف طبيب الطوارىء؟ هل يتركه يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ هل سيجري له التنفس الإصطناعي؟ أم يقف مكتوف اليدين؟ فوفقاً لمعلوماتي السطحية أو ربما الغبية في الطب، كل ما كان يلزم يسمى هو تركيب مصل وإجراء فحص دم سريع لمعرفة نسبة الجفاف في جسمها، ومن ثم يمكنه الحديث عن آلية العلاج، سواء في المستشفى نفسها أو خارجها.
وصلنا إلى مستشفى أوتيل ديو. مع تكرار وشرح مفصل لوضعها، قاموا بإجراء اللازم، وبقيَت قرابة الأربع ساعات تحت المراقبة. لكن حتى وصولنا إلى أوتيل ديو، كانت يسمى لا تزال تعاني من حصر في البول فاق الـ12 ساعة. أبلغتنا الـResident بأنه يمكننا الخروج والعودة إلى المنزل. طلبنا منها البقاء ريثما تقوم يسمى بالتبول للإطمئنان على وضها الصحي، وخوفاً من أن يستدعي الموضوع العودة للطوارىء. لكنها أصرت على موقفها قائلة “بأنها ستتمكن من التبول عندما تعود إلى جوها ومحيطها الآمن”. نحن هنا لسنا أكثر خبرة منها كطبيبة. عدنا إلى المنزل في التاسعة مساءً. عند الواحدة فجراً بدأت يسمى بالتقيؤ بكميات كبيرة، مع إرتفاع في الحرارة، وقد تجاوزت الـ18 ساعة من دون تبول، وهي طفلة عمرها سنتان.
اتصلتُ بطوارىء مستشفى أوتيل ديو، فأجابتني الـResident، شرحتُ لها المستجدات، فطلبَت مني التريث للصباح، “مدام لا أستطيع إدخالها بناءً على طلب الأهل!”. أجبتُها أنه ما من أهل متيّمين بإدخال طفلهم إلى المستشفى. من بعدها، اتصلتُ بطوارىء مستشفى الجامعة الأميركية، حيث تملك يسمى ملفاً طبياً من لحظة ولادتها، وكان التأمين الصحي قد قرر وقف التعامل مع الجامعة قبل أشهر. طلبوا منى التوجه إلى الطوارىء سريعاً، أو العودة بها إلى أوتيل ديو. عدنا إلى أوتيل ديو، فقام الكادر الطبي بإجراء قسطرة للبول لإخراج البول من الجسم. لكنهم لم يأخذوا عينة للتحليل ولا لإجراء الزرع، قالوا بأن علينا إجراء صورة أشعة للمسالك البولية، لكن لا طبيب أشعة في الوقت الحالي، وعلينا العودة في الصباح.
عند الثامنة صباحاً، تواصلت مع طبيبها الأساسي الذي يمنعني التأمين الصحي من التعامل معه، فطلب مني التوجه مجدداً للطوارىء، وأخذ يبحث معي عن مستشفى تتعامل مع التأمين الصحي. وجدنا مستشفى كليمنصو، وطمأنني قائلاً بأن زميلة له ستقوم بما يلزم وبأنه سيكون معها على تنسيق ومتابعة لحالة يسمى.
إلى مستشفى كليمنصو دُر. السؤال الأول: ما هو تأمينها الصحي؟ السؤال الثاني: هل تعلمون بأنه توجد فروقات إستشفائية بالدولار وعلى سعر 8000 آلاف ليرة؟ وهل تعلمون بأن معاينة الطوارىء تفوق الثلاثة ملايين ليرة؟ السؤال الثالث: شو وضعها؟ ستتابع الممرضة وضعها.
وصلنا إلى كليمنصو بعد ثلاثة أيام من التنقل، والتكهن، والمماطلة، والإهمال. وصلنا متلفين جسدياً ونفسياً، ربما أكثر من يسمى. أدخلت المستشفى وأخذت العلاج اللازم للفيروس. على مدى أربعة أيام، كانوا يومياً يجرون تحاليل الدم والبول والزرع للإطمئنان الكامل. تحسنت يسمى وخرجنا إلى المنزل. لم تدم الفرحة سوى 48 ساعة، فعدنا بحراراة بلغت 41.9 درجة، والكرّة نفسها في ما يخص التأمين الصحي.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، وبحسب الفحوص الأولية، هناك إلتهاب في الحلق وفي الدم، والموضوع يتطلب التوسع في الفحوص الطبية والدخول المستشفى مجدداً لمدة 48 ساعة. طبعاً، استدعانا مكتب الدخول أربع مرات، ليُعلمنا بكلفة الطوارىء، وفروق الفحوص الطبية التي لا يتكفل بها التأمين، وبأن ليلة المستشفى تبدأ من خمسة ملايين ليرة، وغيرها من الأمور.
لم أستطع الإختصار في كتابة رحلة العلاج هذه، ولم أستطع التوقف عن التفكير في طبيب الطوارىء الذي رفض إمدادها بالإسعافات الأولية. وعمدت إلى سؤال أطباء أصدقاء عن مهام طبيب الطوارىء، وهل فعلاً قصرّ في مهامه، أم تصرف وفقاً لخبرته المحدودة. جميع الأطباء الذين استشرتهم قالوا بأن مهامه تشمل علاج الحالات الطارئة، سواء الطبية أو الجراحية أو حوادث الـ Trauma. وفي حالة طفلتي، كان عليه أن يأخذ المعلومات اللازمة، ويتواصل مع طبيب الأطفال لأخذ التعليمات، وأولى مهامه كانت تركيب مصل وإجراء الفحوص اللازمة من دون إرشاد طبي من أحد.
مستشفيات فرغت من أطبائها، مستشفيات بلا تغطيات صحية، مستشفيات بلا علاجات، مستشفيات همها الأول تقاضي المال وتقديم العلاج لمن إستطاع إليه سبيلاً.
منذ لحظة مرض يسمى، وأنا أتساءل عن الأطفال أو الأفراد الذين تكون حالتهم حرجة أكثر من طفلتي ولا يملكون تأميناً صحياً؟ ماذا عن الذين يتأخرون في تلقي علاجات السرطان؟ وماذا عن الأطفال الأربعة الذين قضوا خلال أيام، لعدم تواجد طيبب أطفال متخصص في أمراض القلب؟ ماذا عن المرضى الذين يعجزون عن شراء أدويتهم؟ وماذا، وماذا..؟
“دعهم يموتون، ولا يأتون إلي”.. شعار المستشفيات، وشعار الدولة التي تذلّ مواطنيها. ونحن لا يسعنا سوى الكلام في وسائل الإعلام وصفحاتنا الإفتراضية. ربما تكون هذه التجربة هي الأقل معاناة مقارنةً مع ما يعانيه آخرون في ملف الطبابة.
وأخيراً، نحن الشعب الذليل، نود أن نطمئن على معالي وزير الصحة فراس أبيض، الغائب عن السمع أو مُتعمّد ذلك، أو ربما المصاب بوعكة صحية ولم يجد طبيباً أو مستشفى أو تأميناً صحياً يغطي علاجه الصحي؟ معاليك طمئنّا عليك..