ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية المترنحة؟
أسابيع مفصلية يعيشها لبنان غداة توجه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى دعم ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بعد نحو عامين ونصف العام على الشغور في سدة الرئاسة وبعدإخفاق البرلمان في عقد جلسة لإنتخاب خلف للرئيس السابق ميشال سليمان، بسبب عدم التوافق على مرشح يجمع القوى السياسية المنقسمة عامودياً والمختلفة على جملة من القضايا الداخلية والخارجية.
لكن الحراك الذي بدأه الحريري منذ نهاية الشهر الفائت، وإبلاغه كتلته البرلمانية بتخليه عن ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية للرئاسة، والبحث جدياً بدعم لكلته لعون ( أكبر كتلة نيابية في لبنان وتضم 36 نائباً من اصل 128 يشكلون البرلمان الممدة ولايته منذ العام 2013)، يُنتظر أن يتوّج هذا الحراك بإعلان الحريري عن دعم خصمه السابق وحليف “حزب الله” للرئاسة، بعد أن سبقه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي اتخذ موقفاً لافتاً في 18 كانون الثاني / يناير الماضي وأعلن دعمه ترشيح خصمه السياسي السابق عون.
هذا المشهد المعقد وتبدل التحالفات أرخى بظلاله على الساحة اللبنانية المترنحة أمام تداعيات الأزمات الإقليمية، وخصوصاً الازمة السورية. لكن لماذا لا يسرع الحريري في إعلان مبادرته الجديدة على الرغم من النقاش المستفيض الذي خاضه مع بعض المعارضين من كتلته لإنتخاب عون؟ ربما لأنه يسعى إلى ضمانة قوية في رئاسة الحكومة والحقائب الوزارية.
ففي الذكرى العاشرة لانتصار لبنان على إسرائيل في عدوان تموز/ يوليو العام 2006، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مبادرة لإنهاء الفراغ في سدة الرئاسة تضمّنت قبوله البحث بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة ،عندما يوافق الأخير على انتخاب حليف المقاومة العماد عون للرئاسة. ووفق هذه المعادلة جاءت مبادرة الحريري. وبحسب بعض المصادر وافق التيار الوطني الحر الذي أسسه عون على عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة مقابل انتخاب الجنرال إضافة إلى التوافق بين الطرفين على عدد من القضايا الشائكة ومنها شكل الحكومة المقبلة وتوزيع بعض الحقائب السيادية وكذلك التوافق على الخطوط العريضة لقانون الانتخاب.
هذا الإتفاق ( إن صح مضمونه) أغضب رئيس البرلمان وحليف حزب الله نبيه بري الذي لا يزال يدعم سليمان فرنجية للرئاسة مستفسراً من الحريري عن الأسباب التي دفعته إلى دعم عون والتخلي عن فرنجية، كما أنه سأل عن موقف الرياض من هذه المبادرة وطالب كذلك بعدد من الحقائب الوزارية وفق الصيغة اللبنانية المتبعة بتاليف الحكومات وتوزيع الحقائب الوزارية على القوى الأساسية عملاً بالعرف السائد.
معارضة الرئيس بري ومن ثم السجال مع البطريركية المارونية الداعمة لترشيح الاقطاب الموارنة الاربعة للرئاسة ( أصطلح على تصنيف عون وفرنجية وجعجع إضافة إلى الرئيس الأعلى لحزب الكتائب امين الجميل كمرشحين أقوياء للرئاسة )، أبطأ مبادرة الحريري الذي أبلغ عون في اللقاء الأخير بينهما دعمه له للرئاسة. وهو ما أسرّ به الجنرال إلى حلقة ضيقة من المقربين منه وبات يتصرف كمرشح جدي للرئاسة ووافق على عدم التصعيد في الشارع والعودة الجزئية للحكومة بعد أسابيع من مقاطعة وزرائه حكومة تمام سلام.
فإذا كان الرئيس بري لا يزال معارضاً لمبادرة الحريري، ماذا عن الاطراف السياسية الأخرة ولماذا لا يقنع حزب الله حليفه بري بضرورة إنتخاب الجنرال؟ هذه الأسئلة المتداولة بين اللبنانيين أملاً بانهاء حالة الشغور، يستغلها خصوم المقاومة ويواصلون تحميل حزب الله مسؤولية إستمرار الفراغ الرئاسي. وفي هذا الصدد وبحسب معلومات “للميادين” لن يتدخل حزب الله راهناً مع حلفائه وإن كان أمينه العام قال صراحة” عندما يقتنع تيار المستقبل بانتخاب عون نحن نتفاهم مع حلفائنا”. فالحزب قد لا يقدم على أي خطوة ما لم يعلن الحريري رسمياً تبنيه ترشيح حليف حزب الله للرئاسة أو على الأقل يبلغه الأمر سواء في الحوار الثنائي (بدأ الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل أواخر العام 2014 ولا يزال مستمراً على الرغم من تعليق جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه بري في 5 أيلول / سبتمبر الفائت) .
حسابياً يتمتع عون بأكثرية برلمانية مريحة تكفل وصوله إلى قصر الرئاسة في بعبدا. إذ يدعمه إضافة إلى تكتل التغيير والإصلاح (27 نائباً بإستثناء 3 نواب لتيار المردة)، وكتلة المستقبل ( نحو 30 نائباً سيلتزمون بقرار الحريري)، إضافة إلى نواب كتلة الوفاء للمقاومة ونواب القوات اللبنانية (أكثر من 20 نائباً)، في الوقت الذي لم يحسم فيه الحزب التقدمي الغشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط خياره الرئاسي بعد أن سبق ورشح النائب هنري حلو للرئاسة ونال 13 صوتاً في الجلسة اليتيمة في نيسان / أبريل عام 2014 ، ومن ثم إنتقل لمجاراة الحريري في دعم فرنجية إلى أن أخفى توجهاته الرئاسية بعد طرح مبادرة الحريري في التداول.
وفي المحصلة وفي حال جرت الإنتخابات في 31 تشرين أول / أكتوبر الحالي فإن حظوظ عون أفضل من اي مرشح آخر. ولكن بحسب المعطيات الراهنة فإن إنتخاب الرئيس لن يكون في تلك الجلسة نظراً إلى عدم زيارة الحريري للرياض بعد لقائه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في موسكو ( تردد في وسائل إعلام لبنانية أن الحريري زار الرياض وسمع عدم معارضة لمبادرته ، ولكن معلومات الميادين تفيد بأن الزيارة لم تتم بعد).
وبناءاً على ما تقدم ربما لا تشهد أزمة الشغور إنفراجات لافتة في القريب العاجل خصوصاً في ظل إستمرار الأشهر الدموية التي سبق وتحدث عنها السيد نصر الله قبل نحو أربعة أشهر ( أشار السيد نصر الله الى ستة أشهر دامية).