ميقاتي | «لبنان كله سينهض باذن الله»
افتتح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معرض الكتاب العربي في بيروت، والقى في المناسبة الكلمة التالية:
أيها الحفل الكريم،
إجتماعنا اليوم في هذا المكان بالذات، يحمل أكثر من رسالة ومغزى.فعلى مقربة من هذا المكان كان زلزال بيروت الأخير الذي أضيف الى سلسلة الزلازل الحديثة والقديمة التي دمّرت مدينتنا بيروت ولكنها عجزت عن قتل الروح فيها،ولذلك فان بيروت،ولو سقطت لبعض الوقت، تعود وتنهض من جديد أقوى وأكثر عزما واصرارا، بإرادة جميع اللبنانيين مهما قست عليهم الأيام.
وما لقاؤنا اليوم هنا، في هذا المكان بالذات الذي عاد لينهض من كبوته الا رسالة أمل بأن بيروت ستستعيد عافيتها ودورها، وأن لبنان كله سينهض باذن الله.
في هذه المناسبة بالذات التي لا تشبه أي مناسبة أخرى،نجتمع، وفي ذاكرتنا الجماعية حنين إلى الكتاب، الذي لا بديل عنه، مهما تعدّدت وسائل التواصل الحديثة، ومهما تطّورت أساليب النشر وسرعة الإنتشار.
فللكتاب مكانة خاصة في خلفياتنا الثقافية والفكرية. إليه نلجأ عندما تتكاثر الهموم، وبه نسترشد الخطى.
إنه الرافد الدائم لكل جديد، وهو المعبر الحقيقي والجدّي إلى إستنباط الحلول.
منه ننهل العلم، ومعه نبحر في زمن اللامستحيلات.
فهذا المعرض، الذي أصرّ منظمّوه على إقامته على رغم الظروف المعاكسة، هو واحة لنا جميعًا . به نستظّل وعنده نرتاح. هو المكان الطبيعي لحركة لا تهدأ. هو الملاذ لكل متعطّش إلى المزيد من المعرفة.
إنه المفتاح الوحيد لكل الأبواب، إن لم نقل إنه الحلّ الأكثر ملاءمة لأي أمر يُستعصى علينا.
أيها الحفل الكريم
لا نستطيع ونحن في افتتاح معرض بيروت للكتاب العربي، وفي ظل كل هذه الأزمات التي تحيط بنا أن نغفل أهمية دور الثقافة في معركتنا الحضارية.
إنها معركة الحق ضد الباطل.
معركة إثبات الذات في خضّم محاولات تهميش الهوية اللبنانية المرتبطة عضويًا وحكمًا بالهوية العربية، التي ننتمي إليها كحضارة مشرقية.
لقد كانت لنا عبر التاريخ محطّات مشرقة في تفاعلنا مع محيطنا يوم حافظ اللبنانيون على اللغة العربية وساهموا في تطويرها من خلال إلتفاهم الثقافي والفكري مع النخبوية العربية والحركات الثقافية في العالم العربي.
معركتنا مع كل من يتربص بنا شرًّا، ليست فقط بالسياسة وبالموقف والمواجهات الميدانية، بل بالكلمة أيضًا وبالعلم والفكر، بالتربية والكتاب.
معركتنا هي ضد الجهل والمجهول، بل هي ضد كل من لا يريد لوطننا ولأوطاننا العربية التقدّم والإستقرار والإزدهار.
ليس جديدًا على بيروت أن تحتضن الكتاب العربي، فهي كانت ولا تزال عاصمة الثقافة العربية، وهي التي كانت منطلق الثورات الفكرية في العالم العربي. بها تغنّى كبار الشعراء العرب، وكان المثقفون ياتون اليها يوم كانت تجّف الأقلام وتنضب.
بهذه الفرادة الثقافية إنتصرنا، وبعونه تعالى عزّ وجلّ، سيكون النصر حليفنا الدائم، في كل المجالات، وأهمّها إخراج لبنان من أزماته، لأنه لا يزال حاجة دولية وعربية، ولأنه سيبقى منارة هذا الشرق.
التحدّيات لا تخيفنا، بل تزيدنا إصرارًا على المواجهة والوقوف في وجه الصعوبات لحلّها. هذا هو تاريخ اللبنانيين، جميع اللبنانيين. هذا هو حاضرهم، وهكذا سيكون مستقبلهم.
ايها الحفل الكريم
هذا المعرض هو محطّة من بين محطّات كثيرة في مسيرة تحصين الإنسان اللبناني والعربي ضد الانماط الغريبة عن طبيعتنا وثقافتنا وتقاليدنا وإرثنا، الذي به نعتز.
هنئيًا لبيروت معرضها. وهنئيًا للكتاب العربي الذي يتربع على عرش هذه المدينة التي تحرص على أن تكون نقطة جذب وإلتقاء، لا نقطة تباعد وتنافر وتناحر.
هي مدينة الشرائع.
كانت وستبقى المكان الأرحب للقاء مثقفي العرب والمفكرّين وطلاب الحرية وكرامة الإنسان.
عشتم وعاش لبنان.