نار الأقساط المدرسية هذه السنة ستحرق الجيوب والأعصاب!
لم تكد فرحة الموظفين بإقرار سلسلة الرتب والرواتب تصل إلى خواتيمها السعيدة حتى فوجئوا بخبر زيادة الأقساط المدرسية بنسبة 45 في المئة، مما يعني أن ما سيقبضونه باليد اليسرى سيسلمونه باليد اليمنى إلى المدارس الخاصة، التي يبدو بحسب منطق الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار أنها محقة ومنصفة. وهنا ندخل في جدلية أزمة التربية بين المدارس الخاصة والمدارس الرسمية ومستوى التعليم في كلتا الحالتين.
ما كان يحذّر منه بعض المتنورين الذين يعتمدون في تحليلاتهم على الأرقام من أن إقرار السلسلة من دون دراسة الجدوى الإقتصادية منها، مع ما رافقها من فرض ضرائب تطاول الطبقات الفقيرة والمتوسطة في العموم، أصبح واقعًا سيؤدي حتمًا إلى تضخم يُخشى أن يفقد الليرة اللبنانية من قدرتها الشرائية، وإلى إختلال في ميزان المدفوعات وإلى خلق هوّة واسعة بين ما لحق الموظفين، مدنيين وعسكريين، من زيادة رواتب ستأكلها حتمًا عشوائية الغلاء غير المراقب وغير المنضبط، وحتى قبل أن تصل تلك الزيادات السرابية إلى الجيوب.
فقبل أن تطاول زيادة الأقساط المدرسية شريحة واسعة من اللبنانيين كان هاجس الأقساط يقضّ مضاجع من يسعون إلى التضحية بكثير من الكماليات حتى يؤمّنوا لأولادهم المستوى اللأئق من التعليم الذي يمكّنهم من شقّ طريق مستقبلهم بثقة وأمان، وهو هاجس مغمّس بلقمة العيش وبكل تفاصيل حياتهم اليومية، ويشكّل مصدر قلق مع إستحقاق كل قسط، وهو همّ مشترك بين جميع الذين لا يزالون يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى ما يُسمّى الطبقة المتوسطة الآيلة إلى الإنقراض.
وربّ قائل إن من لا يستطيع تحمّل نار الأقساط المرتفعة في المدارس الخاصة ما عليه سوى إرسال أولاده إلى المدارس الرسمية. وفي هذا المجال نرسم أكثر من علامة إستفهام عن مستوى التعليم في هذه المدارس، وبالأخص في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة وعدم أهلية هذه المدارس لتأسيس صحيح وسليم يترافق مع إهتمام وعناية فائقين من قبل الإدارات الموكلة إليها مسؤولية التنشئة الصحيحة، وهما أمران غير متوافرين في هذه المدارس في هاتين المرحلتين بالذات، على عكس المرحلة الثانوية، التي يُعتبر مستوى التعليم فيها عاليًا، خصوصًا في المواد العلمية، بإعتراف الجميع، مع الإشارة إلى عددًا كبيرًا من المسؤولين هم خريجو المدارس الرسمية في المراحل الثانوية، وقد يكون إسم “ثانوية سعيد” في عين الرمانة خير دليل على المستوى العالي للمدارس الرسمية.
يبقى أن يُصّب الجهد والإهتمام على المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة لتبلغ المستوى الذي وصلت إليه المرحلة الثانوية، وذلك من خلال التركيز على إعداد مربّين إختصاصيين وكوادر يمكن الركون إليها وتوحي بالثقة والإهتمام باللغات الأجنبية على غرار ما هو معمول في المدارس الخاصة.
بهذه الطريقة وحدها تستعيد الدولة ثقة الأهل بالمدرسة الرسمية في مرحلتي الإبتدائية والمتوسطة، وبهذه الطريقة يمكن مواجهة ما يتعرّضون له من ضغوطات وتهديدات من قبل المدارس الخاصة، فتُعمم البطاقة المدرسية ويُكسر إحتكار التعليم العالي المستوى، ويُرفع عن كاهل الأهل سيف الإقساط المصلت على رقابهم، وتحكّم المدارس الخاصة بمفاصل التربية في لبنان.