نكبة أبناء الشعيتية: المدخرات تبخرت بين يدي “البرازيلي”
أوقف فرع المعلومات، أول من أمس، محمد المسلماني الملقب بالبرازيلي بناء على كتاب معلومات بعد الادعاء عليه بتهمة النصب والاحتيال، لكن أهل بلدته الشعيتية المنكوبين لا يريدون أن تتكرر تجربة صلاح عز الدين. يصرون على استعادة ودائعهم مهما كلف الأمر.
في الشعيتية، لا يسأل الأهالي بعضهم بعضا: “حاطط مع البرازيلي؟”. فالجواب معروف. الأكثرية الساحقة من أهالي البلدة اودعوا لدى محمد المسلماني، الملقب بـ”البرازيلي”، مبالغ مالية لتشغيلها ودفع فوائد شهرية مرتفعة جدا.
أمام مقر شركة TRUST PLUS، التي كانت واجهة أعماله، يتجمع عدد من زبائنه منذ توقيفه على يد فرع المعلومات بعد ظهر الأحد أثناء وجوده أمام شقة عمّه في دوحة الحص. يأملون أن تفتح أبواب المكتب السوداء، ويفرج عن البرازيلي ويستأنف نشاطه ويعيد أموالهم. الشكل الخارجي للمكتب متواضع من دون لافتة، لا يوحي أن صاحبه كان يلعب بأكثر من 80 مليون دولار. مسار القضية أيضاً لا يوحي بأن تلك المبالغ ستعود إلى أصحابها.
استدعي “البرازيلي” للتحقيق مرات عدّة قبل توقيفه
مصير الودائع معلّق. الشعيتية منكوبة مادياً واجتماعياً. “في خربان بيوت. العالم صفّرت عالحديدة”. يشعر الضحايا بأنهم مقيدون. محمد مسلم المسلماني أسف لتوقيف البرازيلي. يقول “نفضل أن يبقى حراً ويتابع عمله لكي يعيد إلينا أموالنا. وجوده في السجن لا يفيدنا”. يجزم أن أحداً من أهالي الشعيتية لم يرفع شكوى ضده. نحو ثلاثين شكوى التي رفعت بحقه حتى الآن، جاءت من زبائن من خارج البلدة. أما محمد عبد الرحمن المسلماني، فقد تعهد عدم السماح بتكرار نسخة صلاح عز الدين. يشير إلى أن امبراطور “الربا الشرعي” سجن ست سنوات في سجن رومية، ولم يعد الأموال لأصحابها. هذان الشخصان أودعا البرازيلي مئات آلاف الدولارات. الأول متعهد ورش بناء جمع مع إخوته مدخراتهم حصيلة سنوات الغربة الطويلة وأودعوها معه. أما الثاني، فقد أودع وحده مبلغ مليون و400 ألف دولار وأدى دور الوسيط مع العشرات الذين أرسلوا معه مليوني دولار للبرازيلي. تختلف المبالغ المودعة، رجل الأعمال الذي أودع 600 ألف دولار بهدف إنشاء مول تجاري، وربة المنزل التي أودعت مليون ليرة لكي تزيد نسبة الدخل. وهناك العشرات من مزارعي التبغ الذين رهنوا رخص الدخان وأودعوا ريوعها لديه على أن يسددوا بدل الرهن من الفوائد. وهناك من رهن منزله ومن باع أرضه ومنهم من باع محال ومطاعم في ألمانيا.
لكن لماذا استطاع ابن الثامنة والعشرين عاماً إغراء مجتمع كامل بالانزلاق إلى الربا؟ الشاب الحاصل على شهادة مهنية في المحاسبة والمعلوماتية، بدأ حياته المهنية “ديليفري نراجيل” قبل أن يسافر لمدة عامين للعمل في أفريقيا ثم عاد إلى مسقط رأسه. روّج للعبة المراهنات على لعبة كرة القدم ثم طور عمله ليعرض على أصدقائه المقربين تشغيل اموالهم لقاء فوائد خيالية، أغرت الواحد تلو الآخر.
كيفما التفتنا في الشعيتية تطالعنا صور الشهداء وشعارات الإمام موسى الصدر ورايات حزب الله وحركة أمل.
“ما تضحكي علينا”، يصر أهالي البلدة المعروفة بطيبتها. “ما حطينا مصرياتنا مع حدا غريب” يقول المختار حسين مسلماني. يستعرض المميزات التي يتمتع بها البرازيلي وجعلت الناس يثقون به. “هو ابن البلدة ويقيم فيها ولديه ثلاثة أعمام معروفين بكفاءتهم العلمية ومنزلتهم الإجتماعية. أحدهم مدير في شركة تاتش وآخر مهندس في دبي”. يشير إلى أن عمه هشام تحديداً كان يساعده على تنظيم العمل في المكتب ووضع نظام التشغيل “ما دفع بالأهالي إلى الإطمئنان”، لكن عامل الإطمئنان الأكبر وفرته الدولة واجهزتها الأمنية. يستعرض نائب رئيس البلدية علي المسلماني عدد المرات التي استدعي فيها إلى استخبارات الجيش وفرع المعلومات للتحقيق معه حول آلية عمله، إنما كان يخلى سبيله بعد ساعات. ساد الظن أن “شغله قانوني وسليم ومدعوم ما دامت الدولة لم توقفه”. تحدث آخر عن “العلاقات الوثيقة التي كانت تربط البرازيلي بعناصر ومرجعيات أمنية وحزبية. علاقات أنقذته من التوقيف مرة في الكسليك عندما عثرت دورية في سيارته على كمية من الحشيش”. تلك الحصانة، شجعت الكثيرين على إيداع الأموال معه. حتى شهر تشرين الأول الماضي، لم تتعد الأموال المودعة الستة ملايين دولار. بين تشرين الأول حتى مطلع شهر كانون الثاني الماضي، زادت الأموال إلى أكثر من 80 مليون دولار. في تلك الفترة، قدم عروضاً مغرية قامت على تقديم فوائد تتخطى المئة في المئة.
فؤاد مسلماني لفت إلى ان شركة “البرازيلي” لديها سجل تجاري في وزارة المالية، لكن تصنيفها كان تخليص معاملات التأمين والعاملات. يتناقلون في البلدة أقوال منسوبة إلى عمه هشام تتحدث عن ارتباطه بجهات خارجية كان يحول لها أموال المودعين وتعيد له الفوائد، لكن كيف وأين تشغل الأموال؟ لا أحد في الشعيتية يملك الإجابة.
خلال الشهر الماضي، سرت شائعات تفيد بأن البرازيلي تعرض لنكسة في نشاطاته. عمه هشام تدخل وتعهد دفع أصل المبالغ المودعة للزبائن على دفعات. وعد بأن يكون تاريخ 25 كانون الثاني “يوماً مفصلياً في تاريخ البلدة”، لكنه سرعان ما تراجع عن تعهداته.