هل يترشّح باسيل للانتخابات؟!
ماذا يعني أن يصدر وزير الداخلية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وأن يوقّعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أوّلاً، ورئيس الجمهورية ميشال عون ثانياً، تمهيداً لنشره في الجريدة الرسمية؟
هذا يعني أنّ أولى الخطوات التنفيذية للعملية الانتخابية باتت واقعية وعملانية، ولم تعُد مجرّد وعود وشعارات. بل قل قد انطلق القطار… لكن من دون أن يعني أبداً أنّ وصوله إلى محطّته النهائية بات محسوماً.
ثمّة ضغط دولي كبير لإجراء الاستحقاق في وقته، ولو أنّ حماسة بعض الدول المعنية، وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة، تتراجع دون إعلان، لأنّها لم تعد تأمل حصول نتائج انقلابية من شأنها أن تغيّر المشهد السياسي بشقّيه التنفيذي والتشريعي، رأساً على عقب. على اعتبار أنّ أفضل التوقّعات تعطي القوى المعارضة، وتحديداً الجديدة منها، بين عشرة وإثنا عشر نائباً منهم 8 مستقليين. وهو ما يعني أنّه يستحيل رسم مشهديّة مختلفة كثيراً عمّا هو قائم. وبالتالي لا مكان للانقلابات الكبرى على المسرح اللبناني. وثمة معلومات عن أنّ الإدارة الفرنسية أنجزت تقريباً آليّتها الرقابية وفريقها المختصّ للتدقيق في حيثيّات الاستحقاق عن قرب. وبالتالي بات يمكن التكهّن أنّ مواجهة الرغبة الدولية في إجراء الانتخابات من جانب القوى المحليّة لم تعد مستحيلة.
ومع ذلك، تعاني القوى السياسية من “عقدة نقص” في مشروعيّتها الشعبية بعد انتفاضة 17 تشرين الأول وما ولّدته من خطاب يطعن بالقوة التمثيلية للأحزاب والقوى السلطوية. ولذلك تحتاج إلى تجديد “خلايا” شرعيّتها الشعبية من خلال “نفض الغبار” عن صناديق الاقتراع وإخضاع المعارضين قبل سواهم لهذا الاختبار، في محاولة لاستعادة هذه المشروعيّة من جديد، وإعادة إثبات حقيقة وجودها على الأرض للتخلّص من الشعور بالذمّيّة السياسية.
تريد معظم القوى السياسية إجراء الانتخابات لهذا السبب بالذات، بمن فيهم “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وغيرهما. لكنّ هبوط هذا الكمّ الكبير من المغتربين على لوائح شطب الدوائر الـ15، شكّل عقدة مستعصية تصعب معالجتها في الوقت المتبقّي للمهل القانونية. و”الصفقة” التي كان يجري العمل على تنفيذها وحاول “حزب الله” أن يحوكها بهدوء، كان هدفها التخلّص من المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار و”نجدة” الحلفاء بتخليصهم في وقت واحد من البلوكات الاغترابية غير الممسوكة. وقد سقطت هذه الصفقة نتيجة عدم قدرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على مواجهة المجتمع الدولي بقرارات تطيير رزمة من القضاة، وفي مُقدّمهم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقّق العدلي طارق البيطار… فانضمّ أكثر من 220 ألف ناخب غير مقيم إلى هؤلاء المقيمين، مشكّلين خطراً حقيقياً على قوى الثامن من آذار لأنّ السمة العامّة لهؤلاء المنتشرين هي المعارضة.
لهذا يتردّد أنّ جبران باسيل، أكثر المتضرّرين من “ضربة” المغتربين، يقوم بمراجعة هادئة للبحث في كيفيّة إبعاد هذه “السكين” عن رقبته والتخفيف من “قساوتها”، لدرجة التفكير في إمكانية طرح قانون الانتخابات من جديد على التعديل، ولو أنّه احتمال ضعيف بسبب المهل القانونية، إلا إذا حصل تمديد محدود.
الخيار الآخر المطروح على طاولة البحث بين باسيل ودائرته الضيقة من المقربين هو عدم إقدام باسيل على الترشّح، والابقاء على رئاسته للتيار الوطني الحرّ إسوة بسليمان فرنجية وسمير جعجع ووليد جنبلاط الذين يريدون العمل السياسي لكتلهم النيابية دون أن يكونوا جالسين على مقاعد مجلس النواب. ويلاقي هذا الاقتراح استحساناً متقدماً لدى باسيل وبعض المستشارين المقربين منه، دون أن يعني ذلك اتخاذ قرار نهائي في هذا الصدد.
على أيّ أساس قد يحصل التمديد؟
لا جواب محسوماً إلى الآن، ولا من يجرؤ على طرحه في العلن. لكنّ ثمّة العديد من السيناريوهات المحتملة، ومنها مثلاً ما هو مرتبط بمصير سعد الحريري، الذي لن يكون تردّده في خوض الاستحقاق وذهابه إلى حدّ إعلان مقاطعته حدثاً عابراً أو تفصيلاً ثانوياً. فالرجل فاقد للغطاء الإقليمي، ومربك ويتخبّط في أزماته، ولا تمويل خارجياً يساعده على خوض الانتخابات. لكنّه، مع ذلك، لا يزال يمثّل حاجةً بالنسبة لبعض القوى السياسية، ومنها الثنائي الشيعي الذي يفضّل الحريرية السياسية مع “علّاتها” وضعفها، على مظاهر متطرّفة في هذا الشارع قد تنبت مثل الفطر في حال انتهى دور الحريري السياسي.
والأرجح أنّ رئيس “تيار المستقبل” يدرك هذه الحقيقة، وقد يندفع إلى استخدامها كورقة ضغط لمنع وضعه خارج الحلبة السياسية. وفق البعض، قد يكون إعلان الحريري رغبته في مقاطعة الانتخابات خلال اجتماعات “الزوم” مع كتلته النيابية، مقدّمة أو توطئة لكي يهجم رئيس مجلس النواب نبيه بري باتّجاه الدفاع عن الحريري والانضمام إلى قافلة المقاطعين تحت عنوان لاميثاقية الاستحقاق والبرلمان الذي سيولد منه لأنّ الفريق السنّيّ الأساسي خارجه، أسوة برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي قد يتحمس للانضمام أيضاً إلى الفريق المقاطع، ولو أنّ كوادره ترفع من منسوب التنسيق مع “المستقبل” لعلّ الانتخابات تفرض نفسها فجأةً… وهو ما قد يطرح إشكالية جديّة حول سلامة العملية الانتخابية، وبالتالي يصبح باب التمديد مفتوحاً على مصراعيه!
إلاَ أنَ مصادر عين التينة ردَت على هذه الأفكار “أنه كلام متضررين من إجراء الانتخابات وأنَ هذا الأمر غير وارد على الإطلاق.
أساس ميديا