قبل أيام من إستقالة حكومة حسان دياب
يبدو أن إسقاط حكومة حسان دياب بات قاب قوسين أو أدنى. فالرجل الذي ورث مقعداً في الجمهورية المُمزقة يُشبه وكيل التفليسة أو الوريث الذي يفتّش في دفاتر جدّه القديمة علّه يعثر على مدين قديم قد يفرج همّه ولكنه لا يجد. لا تجوز محاسبة حكومة على قاعدة المثل الشائع “الضرب بالميّت حرام” ولكن الساعات الأخيرة تحمِل في طيّاتها سرعة في الاتصالات السياسية بين بعض الاطراف المكونة لهذه الحكومة لانهاء عمرها الذي لم يبلغ الستة أشهر.
طبعاً حزب الله المُمسك بمفاصل اللعبة السياسية وحامي المنظومة السياسية والمانع عليها الانهيار بحسب أجندته في المدى المنظور أصبح يشعر بعبء المرحلة وثقل الأزمة الاجتماعية- الاقتصادية الذي لم يمكنه من مواجهة تداعياتها بمفرده لا عبر فائض قوته ولا عبر حكومة موظفين ومستشارين اقل ما يقال فيها انها نتاج صغير من انتاجات الحزب الكبير الذي تمدّد في كل دول الجوار وصولاً الى الخليج، وهو الذي نجح خلال سنوات معدودة في خلق عداوات للبنان مع كل الدول التي كانت صديقة حتى الأمس القريب، ولم يُبقِ للبنان صديقاً سوى الأنظمة المدرجة على لائحة العقوبات الدولية، واضعاً سويسرا الشرق بلد السرية المصرفية والاقتصاد الحرّ على السكّة التي تؤدي الى اقتصاد منهار شبيه بنموذج فنزويلا.
لا يريد هذا الحزب اليوم أن يتحمَّل وحده مسؤولية الغرق، ويريد شريكاً له، فمن أفضل من سعد الحريري؟
هنا سنعود الى المربّع الأول الذي تلا 17 تشرين وإسقاط حكومة الحريري في الشارع. فيومها استقال الحريري خلافاً لرغبة الحزب دون ان يتّفق معه على شكل الحكومة المقبلة، وذلك قبل تكليف حسان دياب.
اليوم يبدو ان الظروف باتت أنضج، فالحريري الذي اثبتت التجارب ان حالته الشعبية والسياسية تستمر بالتراجع في كلّ مرّة يكون فيها خارج السراي الحكوميّ، كما ان موقفه المعارض للعهد لم ينقذ ما فقده من شعبية عشية 17 تشرين على اعتبار انه شريك اساسيّ في صناعة هذه المعادلة التي أحكمت قبضة الحزب على المؤسسات وانتجت له سلطة آحادية على الرئاسات الثلاث وكل ما يتعلق بها. فقد يجد الرجل بعودته الى السراي مخرجاً من مأزقه الشعبي وهو الذي لا يعرف ان يكون زعيماً خارج السلطة. وربما اقصاؤه بهذه الطريقة عن التعيينات الادارية الأخيرة هي رسالة قاسية له لتحفيزه على العودة، لأنه يعرف تماماً ان بقاءه بعيداً عن الحكم لفترة طويلة قد يؤول به الى خسارة كل مواقعه الوظيفية في ادارات الدولة والتي تعتبر العموده الفقري في نظام تياره الخدماتيّ.
كذلك فإنّ العوائق التي منعته من تشكيل حكومة جديدة بعد 17 تشرين ربما قد يزول بعضها بقرار من الحزب نفسه. فالحزب يعرف تماماً ان شروطه يجب ان تكون أقلّ تشدّداً مع رئيس الوزراء السابق وذلك بافساح المجال أمامه لتشكيل حكومة باستطاعته ان يتحكم ببعض مفاصلها لعله يستطيع ان يكسر هذه العزلة الدولية المفروضة على لبنان عبر بعض من علاقات عربية وغربية.
ولكن هذه المصلحة المشتركة بين الطرفين لن تتمّ قبل اسقاط حكومة دياب، وهذا ما يفسّره التفلّت المجنون لسعر الصرف في الساعات الأخيرة الذي تزامن مع عودة التظاهرات والاحتجاجات تدريجياً والتي من المرجّح ان تتصاعد مع تصاعد سعرالدولار الذي تخطى الخمسة آلاف ليرة وهو مرشّح للتصاعد في الايام القليلة المقبلة.
فهل سنكون امام سيناريو شبيه بإسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي سنة 1992 في الشارع قبل ان يشكل الرئيس رفيق الحريري حكومته الاولى؟
إنّ تصاعد سعر الصرف وازدياد الاحتجاجات وصمت الحزب والاشارات التي أرسلها الحريري الى المملكة العربية السعودية عبر هجومه على العهد وجولات وليد جنبلاط وسخط الشارع وغضبه على قرارات الحكومة قد تكون كلها مقدّمات لعودة الحريري بعد إسقاط حسّان دياب… في الشارع.
المصدر : رياض طوق – ليبانون ديبايت