محضر وزير المال علي حسن خليل يفضح الحريري | يريدُ رئاسة الحكومة بقوّة ولن يهديها لأحدٍ ولكن بشروطه
نشر موقع “ليبانون ديبايت”:
لم تُطوَ تمامًا صفحة “العقل الشرير” الذي سوَّق في لحظةٍ مصيريّةٍ في تاريخ لبنان لإسم الوزير السّابق محمد الصفدي رئيسًا للحكومة. إذ أنّ تبعات هذه المناورة التي يتقاذف أهل القرار المسؤولية عنها الى حدِّ تبادل اتهاماتٍ علنيّةٍ بالخداعِ والكذبِ، ستُلقي بظلالها على المرحلةِ الآتية من رحلةِ التفتيشِ عن رئيسٍ مُكلَّفٍ، مع فريقٍ وزاريٍّ الى جانبه، سيُدير أكبر أزمةٍ في تاريخ لبنان منذ نهاية الحرب الاهلية!
قبل أسابيعٍ قليلةٍ من انتفاضةِ “17 تشرين”، كان الوزير جبران باسيل يسوِّق لضرورة ترجمة العلاقة “الممتازة” التي تجمَعه بالرئيس سعد الحريري على قواعدِ الطَرَفَيْن، لكن مجرّد الاعلان عن الرغبةِ قوبِلَ بتململٍ مستقبليٍّ انتهى بهجومٍ من نوابٍ عونيّين على إرثِ الشهيد رفيق الحريري وصولاً الى نجلهِ، فوِلعت بين الطَرَفَيْن وطيّرت بذلك اللقاء الذي كان مقررًا في قصر القنطاري في التاسعِ من تشرين الاول الماضي.
لم يكن ذلك سوى المؤشر الطبيعي للتدهور التدريجي في العلاقات بين طرفيّ التسوية الرئاسيّة والذي وصل لاحقًا الى حدِّ تحذير باسيل من قلبِ الطاولةِ بوجهِ الجميع، بمن فيهم الحريري نفسه، والتهديد بـ “جرفِ المُخَرِّبين”.
حين تحدَّث باسيل عن 13 تشرين اقتصادي كان يقصد “كلهن يعني كلهن” وخطورته، برأيه، أنّه وليد بُنية النظام ومنظومة الفساد العميقة في الدولة، أي بإختصارٍ شركاء “التيار” في الحكم، وتحديدًا رموز العقليّة الحريرية التي لا تزال تتحكَّم بمفاصلِ إدارةِ الدولة، والاخطبوط الحاكم، وأحد اضلعه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي، وللمفارقة، كان العونيّون يروِّجون في الاشهر الماضية لورقةِ تفاهمٍ مع “حزبه” كان يفترض، برأيهم، أن تؤسِّس لمرحلةٍ بنّاءةٍ ومُنتِجَةٍ!
ولم يلبث التباعد في المسافات بين باسيل والحريري أن انفجر على مستوى رأسيّ الهرم مع تقديم الاخير استقالته في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، وتطوَّرَ خلال مرحلة التفاوضِ لينفَجِر اليوم بمُعايرةِ العونيين للحريري بأنّه لا يحفظ الجميل “بتحريره من الاعتقال” وبسكوتهم عن “فساده”، في مقابل اتهام قيادات “المستقبل” حليفهم المسيحي، بأنّ القبول بالتسوية كان خطأ استراتيجيًا كبيرًا.
هنا يقول مطلعون، أنّ لومًا كبيرًا وجَّهَه باسيل للحريري حين التقاه بُعَيْد الاستقالة بسببِ خطوةٍ فُسِّرَت في محيطِ وزير الخارجية وشركائه بـ “غير المسؤولة” والتي جرَّت مسارًا من التفاوضِ يجزم نائبٌ عونيٌّ، أنّه “عكس تشدّدًا من جانب الحريري لم نعهده فيه سابقًا، وكأنّه يُدار بواسطة روموت كونترول، ونوعًا من التذاكي الذي لن ينتهي لصالحهِ إذا أكملَ بالعقليّة نفسها معنا”.
ويجزم النائب المذكور، أنّ الحريري الآن أمام ثلاثِ مسلّماتٍ لا رجوع عنها متوافقٌ عليها بين الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر بغطاءٍ من رئيس الجمهورية: استحالة حكومة التكنوقراط وتمسّك بالتمثيل السياسي في حكومة لا مانع باستغنائها عن خدمات وزراء فاقعي الانتماء، مشاركة تيار المستقبل لا نقاش فيها، وبيان وزاري مقتضب يتمسَّك ببندَيّْ المقاومة والنازحين السوريين.
وفيما ستُحدِّد السّاعات المقبلة بوصلة استئناف مشاورات التكليف والتأليف، فإنّ “نكسةَ الصفدي” لا تزال تُرخي بظلالها على العلاقات بين أطراف الأزمةِ، خصوصًا، أنّ كلامًا تَرَدَّدَ في الاروقةِ الداخليّةِ خلال السّاعات الماضية، عن أنّ “الحريري لا يستطيع أن يُكمِلَ في المراوغةِ، فيما محضر اجتماعه الاخير في بيت الوسط مع “الخليلين” موثقٌ، إذ أنّ وزير المال علي حسن خليل كما عادته في الاجتماعات الحسّاسة قد دوّن على دفتره الصغير محضر الاجتماع الذي يظهر بوضوحٍ التزامات الحريري بعد قبوله بخيار الصفدي، خصوصًا لجهة رفضه التكليف والمطالبة بتحديد إسمٍ آخر مع وعدٍ بمشاركةِ “المستقبل” في الحكومة العتيدة وتأمين غطاءِ رؤساء الحكومات السّابقين والمفتي”، وبطلبٍ من بري لازَمَ علي حسن خليل بيروت في الايّام الماضية ظنًّا منه أنّ طرحَ الصفدي سيقود الى خرقٍ كبيرٍ يُتيح التأليف السريع”.
ويؤكِّد مطلعون على تماسٍ مباشر مع “طبّاخي” الحكومة، بإختصار، “مشروع الصفدي” هو خيارٌ عونيٌّ أتى نتيجة تعنّت الحريري ووافق عليه الاخير ثم انقلبَ عليه، ما أدى الى تفاقم الازمة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي، حتى أنّ بري يكاد “يشيل ايدو منه” بعدما اعتبر أنّه انقلب عليه شخصيًّا قبل الآخرين، وفي مجالسهِ الضيّقة يُعبِّر بإستياءٍ كبيرٍ عن استغلالهِ حَراكِ الشارعِ ثم المناورة المفضوحة في قبول ترشيحِ الصفدي”.
ويضيف هؤلاء، “التسوية الرئاسية طارت عمليًا، وثمّة من يحاول أن يطبخ تسوية مؤقتة تلافيًا للانهيار الكبير في ظل أزمة ثقة كبيرة بين أركان الحكم. سعد الحريري وضعَ نفسه داخل دوّامة حقيقيّة. هو يريدُ رئاسة الحكومة بقوّة ولن يهديها لأحدٍ، وساذجٌ من يعتقد العكس، لكن بشروطه. مع ذلك، هو “مرعوبٌ” حتى إذا ترأس حكومة محض تكنوقراط، من تحمّل مسؤولية حصول الانهيار وهو في السرايا”.
لكن وفق المعلومات، ورغم المأزق غير المسبوق تحت وطأة أزمةٍ مخيفةٍ دفعت أحد المصرفيين الكبار الى الاعتراف “نتصرَّف كلّ يوم بيومه. لا أحد منا قادر على توقع الآتي”، فإنّ حزب الله يبقى البوصلة، فهل يذهب باتجاه خيار حكومة المواجهة بعد طيّ صفحة الحريري؟