بعد الضاحية، التتار يستبيحون باريس .. 140 قتيلاً و فرنسا تعلن حرباً بلا هوادة على الارهاب
11 ايلول الفرنسي، وربما الأوروبي، في الثالث عشر من تشرين الثاني 2015. الارهاب ضرب في قلب العاصمة الفرنسية باريس في واحدة من أقسى الهجمات التي تتعرض لها فرنسا في تاريخها الحديث، ومنذ الحرب العالمية الثانية. وبدا المشهد الباريسي «لبنانياً» أو «سورياً» أو «عراقياً» طيلة الليل، مع أرتال سيارات الإسعاف التي كانت تعبر الشوارع التي خلت من السيارات، نحو مراكز الطوارئ والمشافي التي غصت بعشرات الجرحى.
وانتشرت قوات النخبة في قلب باريس، وأرسلت تعزيزات عسكرية لحماية المباني العامة، ومحطات القطارات، وأعلنت حالة الطوارئ «الفا» على كامل الاراضي الفرنسية، والتي لم تشهد لها فرنسا مثيلا منذ حرب الجزائر في الستينيات، وحتى بعد مقتلة «شارلي ايبدو» في مطلع العام الحالي، وألغيت إجازات القوى الامنية بأسرها، وأعلنت التعبئة العامة في صفوفها، واستدعيت الى الخدمة كل القوى القادرة على الوصول الى باريس. وأعلنت الشرطة وقف حركة أكثر خطوط المترو والقطارات في المدينة.
وخرج رئيس فرنسي مذهولاً ومصدوماً في منتصف الليل ليخاطب الأمة عبر التلفزة، وليعلن حالة الطوارئ في فرنسا، مشيراً الى ان البلاد تشهد رعباً غير مسبوق، وانه قرر إغلاق الحدود الفرنسية أمام حركة المسافرين، لتأمين البلاد، ومنع خروج أو دخول من قاموا بالعمليات الإرهابية، وان فرنسا قد شهدت هجمات لا سابق لها، وانه طلب من كل القوات العسكرية المحيطة بباريس حماية المدينة وتأمينها، لأن العمليات الامنية لم تنته، وان عملية اخرى لا تزال جارية في قلب المدينة، فيما منح القوى الامنية صلاحيات استثنائية للقيام بعمليات مداهمة ومطاردة للارهابيين.
الرئيس شهد بنفسه عملية انتحارية، عندما فجر أحد المهاجمين نفسه، عند أحد مداخل ملعب «ستاد دو فرانس»، وقامت الشرطة بإجلائه على عجل خلال حضوره مباراة ودية بين فريقي ألمانيا وفرنسا لكرة القدم.
وقال الرئيس الفرنسي «نحن نعرف من يهاجمنا، إنها محنة جديدة وعلينا أن نبرهن على وحدتنا وتضامننا ونعمل بأعصاب باردة».
وتنعقد منذ منتصف الليل خلية أزمة في الاليزيه للإشراف على العمليات الامنية، تضم الرئيس ووزراء الدفاع والداخلية ومسؤولي الاجهزة الامنية ورئيس الوزراء.
ولا يمكن الحديث عن حصيلة نهائية، خصوصا ان ثلاثة مسلحين كانوا لا يزالون حتى ساعات الفجر يحتجزون المئات من رواد مسرح «الباتاكلان» في الدائرة الحادية عشرة من باريس، بينما كانت الحصيلة الاولية في منتصف الليل تتحدث عن 140 قتيلا، وعشرات الجرحى، الكثير منهم في حالة الخطر.
وكانت سبع مجموعات إرهابية قد شنت هجمات متزامنة في أمسية تكتظ فيها تقليدياً المطاعم والمسارح والشوارع، عشية عطلة نهاية الاسبوع، بالآلاف من سكان العاصمة الفرنسية. وعند الساعة العاشرة مساءً، توجهت سبع مجموعات مسلحة، في وقت واحد نحو أهدافها في باريس، نحو مطعم ومسرح في الدائرة العاشرة والدائرة الحادية عشرة، وبعض الجادات في قلب المدينة، ونحو ملعب «ستاد دو فرانس»، في ضاحية سان دوني القريبة.
وأطلقت المجموعة الاولى النار على رواد مطعم كمبودي في شارع «اليبير» في الدائرة العاشرة، وهو شارع سياحي معروف يفضي الى ساحة الباستيل، وأحصت الشرطة مئات العيارات النارية لبنادق كلاشنيكوف. وكانت جثتان ترقدان على الارض، وسبعة جرحى ينزفون على الرصيف. وتوجهت مجموعة ثانية من ثلاثة مسلحين، نحو مسرح «الباتاكلان»، وتسللت من الابواب الخلفية وبدأت بإطلاق النار على رواد يتابعون عزف فرقة روك أميركية. ويقول شهود عيان ان المسلحين تحدثوا عن الجهاد في سوريا وانهم يقومون بعمليتهم ردا على ما تقوم به فرنسا من حرب على الجهاديين في سوريا.
وقال الشهود إن العشرات تدافعوا للخروج من المسرح، قبل أن يغلق المسلحون الأبواب، وتفرض الشرطة وقوى النخبة طوقا على المبنى، وتقطع كل الطرق المؤدية اليه، وتطلب من السكان البقاء في منازلهم.
وعند الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، كانت تسمع أصوات لتبادل الأعيرة النارية، وانفجارات حول المسرح المحاصر، الذي كان لا يزال العشرات من الرهائن داخله، في قبضة الإرهابيين.
وقالت الشرطة ان قوات النخبة اقتحمت المسرح عند سماعها إطلاق نار داخله، واستطاعت قتل مسلحين اثنين، وتبحث عن ثالث، من دون أن تصدر حصيلة نهائية.
وكانت المجموعة الثالثة قد وصلت في الوقت ذاته الى ملعب «ستاد دو فرانس» حيث قام انتحاري أو أكثر بتفجير نفسه، ودوّت ثلاثة انفجارات متتالية، فيما كانت القوى الامنية في الملعب تسارع الى إجلاء الرئيس الفرنسي.
وتقول الشرطة ان العدد الأكبر من القتلى والجرحى قد سقط في الهجوم على الملعب. وليس جلياً ما اذا كان المهاجمون على علم بوجود الرئيس في الملعب، وما اذا كان مستهدفاً أم لا.
ومع هجوم الثالث عشر من تشرين الثاني، تدخل فرنسا حرباً تبدو طويلة، بعد أسابيع قليلة من إعلان الرئيس هولاند توسيع مشاركة فرنسا في الحرب على «داعش»، وإرسال حاملة الطائرات «شارل ديغول» للمشاركة في الغارات ضد التنظيم الإرهابي. وتبدو الحرب الإرهابية طويلة لأن الآلاف من الأوروبيين الذين قاتلوا في صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» في سوريا قد بدأوا بالعودة الى القارة الأوروبية. وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قد تحدث عن عشرة آلاف أوروبي يقاتلون في سوريا، وهو ما يوفر عددا كبيرا من الإرهابيين الذين يهددون أوروبا لم يعد يقتصر على عمليات «الذئاب المنفردة» على غرار ما قام به به الاخوة كواشي ضد «شارلي ايبدو» أو امادي كوليبالي ضد المتجر اليهودي في باريس في بداية العام الحالي. وانما تحول الى عمليات منسقة، تقوم بها مجموعات منظومة وخلايا نائمة.
وتبدو الحرب على الارهاب صعبة وطويلة، فالتهديدات التي أطلقها «داعش»، قبل أسابيع بالرد على العمليات الفرنسية قد أصبحت واقعاً، لأن نظام الطوارئ المحدود الذي كان مطبقا في المدن الفرنسية منذ مقتلة «شارلي ايبدو» في كانون الثاني الماضي لم يكن كافيا لمنع حدوث الهجمات، بل أخفق في حماية باريس من عمليات منتظرة.